إذا كانت البطانية تحميه من البرد هذا العام فهو لا يضمن بقاءها معه العام المقبل، وإذا كانت «شنطة رمضان» تفطره بعد صيام، فماذا يفعل فى بقية الأشهر؟ بهذا المبدأ فكر بعض المتطوعين فى الأعمال الخيرية، الذين رأوا أن الخير لابد أن تترجمه أعمال مثمرة، ولابد أن يسبقه تفكير ليكونوا هم أنصار دعوة «علمنى الصيد ولا تعطنى سمكة» وهى مقولة صينية توصى باتباعها تقارير التنمية البشرية كحل للفقر. أيمن السيد عبدالوهاب، رئيس برنامج دراسات المجتمع المدنى بمركز دراسات الأهرام، يقول: «خريطة عمل المجتمع المدنى تؤكد أن العمل الخيرى يحتل أكبر مساحة من عمل المؤسسات الأهلية إذا ما قورن بالعمل التنموى والحقوقى، وهناك حاجة حقيقية للتركيز على احتياجات الإنسان وتطوير مهاراته وهو ما يطلق عليه «التمكين» لكن للأسف ثقافة المجتمع لا تشجع العمل التنموى، وبالرغم من أن الديانات تحث على تطوير الإنسان وتنمية مهاراته العملية فإننا نأخذ الوجه الآخر للدين، الذى يدعو لأعمال الخير المباشرة لأنها فى نظر البعض طريق للثواب السريع، وهذا النوع من المساعدات قد يوفر حياة ما للفقير لكنها بالتأكيد ليست حياة كريمة، وبالرغم من أهمية هذا الأمر فإن نسبة عمل الجمعيات فى مجال المساعدات المباشرة 75% مقابل 25% للعمل التنموى والحقوقى». أما معتز عليوة، وهو أحد النشطاء فى مجال العمل التطوعى، فيقول: «التبرع المباشر بنقود أو طعام أو ملابس مهم جدا لكن فى حالات الطوارئ، مثل أن يكون هناك حصار على بلد مثل حصار غزة أو منطقة يعانى أهلها من فقر الدم، وقتها تكون الإعانات المباشرة حلاً سريعاً ومنقذاً لكنه ليس حلاً دائماً لأنه لا يحل مشكلة فهو مجرد مُسكّن، ففى أفريقيا مثلا التبرعات مهمة جدا لكن لابد أن نؤهلهم بعد إنقاذ حياتهم، ونفس الوضع فى مصر مهم جداً أن نوفر للناس ما يساعدهم على استكمال حياتهم بشكل كريم». وعن عمله التطوعى يقول عليوة: «مجال عملى التطوعى هو التعليم والتوعية وذلك عبر جمعية أهلية تعمل فى المجال نفسه، ووجهة نظرى أن الشعوب حين تتعلم بشكل جيد تكون هى الأقدر على حل مشاكلها بنفسها وبطريقة تكفل لها حياة كريمة». كيف يفهم المصرى كلمة «تطوع» هذا هو السؤال الذى طرحه هشام الروبى - رئيس المركز المصرى للتطوع؟ - وللحصول على إجابة أعد دراسة سنة 1999 على 10 آلاف فرد وخمسين جمعية أهلية: «فى البداية بدت نتائج الدراسة محبطة لأننى وجدت أن كلمة (تطوع) عند الشباب تعنى (تبرع) أو (نشاط بتاع بنات بدل قعدتهم فى البيت) على حد قول المبحوثين الشباب الذين رأى عدد كبير منهم أن التطوع مرتبط بشىء مادى يعطيه الغنى للفقير». يضيف الروبى: «بالنسبة للطرف الثانى وهو الجمعيات الأهلية اكتشفت أن مجالس إدارتها فقط هم المتطوعون والباقى موظفون، وأن كل أنشطة الجمعية يديرها الموظف، لأن المتطوع لا يعتمد عليه واستمراره غير مضمون، لذلك بدأت أفكر فى كيفية توظيف تلك النتائج وإيجاد طريقة لربط التطوع بالتنمية، وكانت البداية من البحث عن دوافع التطوع لدى الناس فوجدت أنها تتلخص فى الدوافع الدينية بشكل عام للحصول على ثواب سريع، لكن دون أدنى علاقة بين التطوع وتنمية المجتمع فبدأت أفكر فى حركة تربط التطوع بالتنمية، من هنا جاءت فكرة إنشاء المركز المصرى للتطوع، الذى تتلخص فكرته فى إيجاد حلقة وصل بين المتطوع والأماكن التى تبحث عن متطوعين وذلك عام 2002، والتغيير الذى أحدثه المركز فى فكرة التطوع هو ربط عمل الخير بالتنمية وتحقيق فوائد للمتطوعين أنفسهم، مثلاً لو أن هناك طالباً فى كلية الإعلام فبوسعه أن يتطوع بعمل نشرة أخبار محلية مثلا ويستفيد من التدريب وتستفيد المنطقة من الخدمة وبالتالى ظهرت حقيقة أن التطوع لا يقتصر على الأغنياء وبدأ بعض الشباب البسيط فى دخول العمل التطوعى والتنموى لأنه أدرك أن اشتراكه سيفيده أيضاً». يؤكد هشام الروبى أن المركز لديه الآن 1200 متطوع بخلاف التعاون مع عدد كبير من الجمعيات الأهلية، فضلاً عن اتفاقية بين المركز ووزارة التربية والتعليم لإطلاق حملة «بادر» فى 150 مدرسة حكومية كنشاط تطوعى يشارك فيه الأطفال بالجهد الرئيسى.