بالأطباق الفارغة والمعالق وقف العشرات من الأسر متوسطة الدخل والفقيرة أمام مجلس الشعب قبل يومين احتجاجا علي موجة غلاء الأسعار التي تشهدها الأسر منذ شهرين والتي تزايدت مع اقتراب موعد شهر رمضان، وعلي طرف المظاهرة وقف عم محمد 65 عاماً ومعه أسرته وهم يعتقدون بوجود من يوزع شنط رمضان، وعندما علم بعدم توزيعها قال: «خليها علي الله.. أنا مش شايل هم رمضان السنة دي الحمدلله ربنا كريم فيه انتخابات». فبين موائد الرحمن وموزعي شنط رمضان ومعونات المدارس وزكاة الفطر وهدايا العيد وملابس العيد المغلفة بمختلف أشكال الدعاية الانتخابية ينتقل عم محمد وأسرته - في شهر يسبق الانتخابات البرلمانية التي تعد أكثر الجولات سخونة خلال العقدين الآخرين لذلك فهو يري الانتخابات منحة من السماء لفقراء مصر الذين يتزايدون يوما بعد آخر، ليؤكد أن شنطة رمضان لم تعد حالة مشاركة إنسانية لكنها تحولت إلي أداة للاستغلال السياسي في مصر. عم محمد عمل لمدة 25 عاماً في بوفيه بإحدي الشركات الخاصة ومعاشه لم يتجاوز ال100 جنيه وله خمسة أولاد في مراحل التعليم المختلفة، وهو واحد من ضمن 15 مليون مصري تحت خط الفقر منهم 3.5 مليون يعيشون في فقر مدقع. تقول الإحصاءات أن هناك أكثر من 15 مليون شنطة تم توزيعها في رمضان عام 2005 وكان رمضان في هذه السنة قبل خمس سنوات يسبق بأيام قليلة من انتخابات مجلس الشعب، وهو أمر يكاد يتكرر بنفس تفاصيله هذا العام، وتنوع ما نحو هذه الشنط بين الجمعيات الأهلية ورجال الأعمال من الحزب الوطني إلي جانب أعضاء من الإخوان والجمعية الشرعية وأنصار السنة المحمدية وبلغت تكلفة أشكال الدعاية الانتخابية تحت مسمي التكافل الاجتماعي ما يقارب المليار جنيه بحسب دراسة للخبير الاقتصادي محسن الخضيري. ومن المتوقع زيادة عدد الشنط الموزعة هذا العام إلي الضعف لتصل إلي ما يزيد علي 25 مليون شنطة في ظل تزايد عدد الفقراء وارتفاع الأسعار وتزايد مخاوف الحزب الوطني من ارتفاع شعبية المعارضة، والمشهد كالتالي.. يهبط رجل أنيق من سيارته السوداء الفارهة أمام شوادر اللحوم التابعة لوزارة الزراعة ويقوم بشراء كميات اللحمة الموجودة ويطلب من معاونيه توزيعها علي فقراء المنطقة بعد وضعها في أكياس (نصف كيلو لكل كيس ) المطبوع عليه صورة مرشح الحزب الوطني واسمه، والبعض يصل به الحماس إلي طباعة صورة الرئيس مبارك ونجله جمال علي الكيس! ورغم منع محافظ القاهرةوالجيزة إقامة موائد الرحمن وهو القرار الذي امتد من العام الماضي إلا أننا لا نجده ينطبق علي رجال الحزب الوطني وموائدهم ومن أشهر موائد الرحمن لرجال الوطني المائدة التي يقيمها سنوياً الدكتور أحمد فتحي سرور - رئيس مجلس الشعب - في حي السيدة زينب وأيضا مائدة رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب أحمد عز الذي يحضر لها الطعام من المطاعم الشهيرة وهناك أيضاً محمد فريد خميس ومحمد أبوالعينين في الجيزة، ومائدة الرحمن التي يقيمها بطرس غالي في شبرا. ويمتد استغلال الحزب الوطني لجميع الهيئات المتاحة للدعاية له ومنها أنشطة الجمعيات الأهلية التي تخدم الدعاية للحزب الوطني ولو بشكل غير مباشر فنجد بعض الجمعيات الأهلية التي تقدم شنط رمضان وقد رفعت شعار لا للسياسة والتيارات الدينية ولا للمزايدات الانتخابية «خلال توزيع شنطة رمضان»، لكن الأمر لا يخلو من أنشطة إنسانية محضة فعلا حيث أكد اللواء ممدوح شعبان - مدير عام جمعية الأورمان - أن الجمعية حريصة علي توزيع شنط رمضان من خلال فروع الجمعية ال 16 وأشار إلي أن باقي المحافظات التي لا يوجد بها فروع للجمعية يتم فيها التنسيق مع مديريات التضامن لضمان توزيع الشنط بعيدا عن التيارات الدينية والسياسية منعا لاستغلالها في تحقيق مصالح شخصية.قائلا إن الجمعية وفرت 650 طن مواد غذائية لتوزيعها علي الفقراء خلال رمضان - وكذلك نجد خدمات بنك الطعام ووجباته التي تتجاوز ال5 آلاف وجبة جاهزة يوميا . وهناك بعض المؤسسات الخيرية التي يشارك في عضويتها عدد كبير من أعضاء الحزب الوطني، مثل «مؤسسة مصر الخير» التي يرأس مجلس إدارتها الدكتور علي جمعه مفتي الديار المصرية وتضم لفيفاً من أعضاء الحزب الوطني، وخلال عمرها الذي لم يتجاوز العام ونصف العام قامت بتنفيذ ما يقرب من 20 ألف مشروع خدمي استفاد منه ما يقارب من 100 ألف مواطن بحسب إحصاءات الجمعية نفسها. وبحسب مصادر في الحزب الوطني، فإن هناك ما يقرب من 5آلاف كرتونة بها مواد غذائية سيتم توزيعها في شهر رمضان وعليها شعار الحزب الوطني. وفي المقابل وعلي نفس الوزن اختار حزب الوفد تأسيس مؤسسة خيرية تحت مسمي «مؤسسة وفد الخير» لمنافسة الحزب الوطني ويأتي تأسيس تلك المؤسسة التي أطلقها الوفد قبل أسبوعين لتكون انطلاقة جديدة قبل بداية المعارك الانتخابية وكانت أولي رحلاتها لمدينة أسوان التي شهدت سيولا مفاجئة. وتدخل الدورات الرمضانية في الصورة أيضا، ويتنافس فيها الوطني والإخوان برعاية الفرق الدائرة الانتخابية وتقديم الجوائز للفرق الفائزة، في حين يتبع الإخوان منهج تقديم المعونات الشهرية والرعاية الاجتماعية لآلاف الأسر. ولأن الأعمال بالنيات توجهنا بالسؤال لعدد من نواب مجلس الشعب عن سر كثافة أعمال التكافل الاجتماعي ودعم الفقراء قبل الانتخابات وانتهاز فرصة رمضان، وعن ذلك يقول محمد العمدة عضو مجلس الشعب: هذه كلها أعمال نقصد بها وجه الله.. وهي أعمال خالصة ليس بها أي شبهة. سواء كانت موائد الإفطار أو المساعدات.. ولا علاقة بها بالدعاية الانتخابية أو السياسية أو الوجود الإعلامي.. كما يزعم البعض حتي كما قلت ثواب الله فقط.. وأعجب من هؤلاء الذين يحولون كل عمل خير لمساعدة الناس إلي غرض وراءه هدف دنيوي. بينما قال صبحي صالح عضو كتلة الإخوان بالبرلمان: موائد الرحمن وأعمال الخير في رمضان التي يقوم بها الإخوان ليست لها علاقة بالمصالح ولا بظروف انتخابات أو استحقاقات سياسية وغيرها ولكنها تأتي في إطار مشروعنا وفي إطار العبادة. ويضيف صالح نحن نقوم بدفع الناس الأغنياء للخير وكفالة الفقراء فنحن دالون علي الخير، ولا نقوم باستخدم عمل الخير للحصول علي مقعد في مجلس الشعب ولو كنا ذلك ما كنا جماعة تأمر نوابها بعدم توزيع شنط رمضان من مكاتبهم حتي لا تفسد الصدقة - لذلك يحبنا الفقراء لأنني حكومته التي ترعاهم. وفي الوقت الذي اشتهر به حزب الوفد بأعمال الخير والتكافل الاجتماعي التي سنها فؤاد سراج الدين يؤكد اليوم القائمون علي حزب الوفد أنه لن يقوم مرشحوهم بتوزيع شنط رمضان وكسوة العيد علي أبناء دوائرهم لأنهم يرون أن في ذلك رشوة سياسية واستغلالاً لظروف الفقراء من أبناء الشعب المصري ولذلك لن يتبعوا أسلوب الحزب الوطني. وهذا ما أكده ياسين تاج الدين نائب رئيس حزب الوفد وعضو الهيئة العليا للحزب قائلا في تصريحات ل «الدستور»: استغلال ظروف الفقراء وتقديم المساعدات لهم يعد رشوة سياسية وعدم احترام للصدقة... ولابد للصدقة أن تكون خفية وليست مقابل مساندة سياسية. وأضاف تاج الدين - مرشح حزب الوفد في محافظة قنا في الانتخابات المقبلة - لن نتعامل بنفس أسلوب الحزب الوطني الذي يأخذ ما يقدمه من مساعدات للفقراء من ميزانية الدولة ومن وزارة الشئون الاجتماعية (التضامن ) ويستغل الأموال بشكل يؤكد أنه يتعامل مع المواطنين كمتسولين ومنتظري صدقة. ومن جانبه يري الدكتور علي حسنين الخبير الاجتماعي وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر أن استغلال المرشحين لحاجة الفقراء وتزايد عددهم يعد رشوة سياسية محرمة حيث تحول رمضان لموسم أعمال ظاهرها الخير وباطنها الدعاية لرجال البر والإحسان المؤقتين.