نشأت الديهي: التواجد المصري في الصومال وفقًا للقانون الدولي    تبدأ من 30 ألف.. تعرف على أسعار العمرة خلال الفترة المُقبلة    نشأت الديهي: مصر تتحرك في منطقة القرن الأفريقي لهذا السبب    محمد حمدي: مفاوضات الزمالك بدأت من الموسم الماضي.. وهذا ما قاله صلاح لي    سر الإصابات الخفيفة.. كامل الوزير يكشف كيف وقع حادث قطاري الزقازيق؟ (فيديو)    ارتفاع الرطوبة وشبورة.. الأرصاد تكشف حالة طقس اليوم الأحد    إعلام فلسطيني: إصابات في قصف الاحتلال منزلا وسط قطاع غزة    سعر الذهب في مصر اليوم الأحد مع بداية التعاملات الصباحية- تفاصيل    مبابي يتحدث عن اللعب مع فينيسيوس جونيور في ريال مدريد    الحضري: إيهاب جلال تحمل المسؤولية كاملة في المنتخب.. وصلاح فعل شيئا نادرا معه    حسام المندوه: أزمة جديدة في الزمالك تؤدي إلى غلق القيد في هذا الموعد (فيديو)    فيضانات عارمة تضرب جنوب بولندا    ستارمر يتعرض لضغوط لدعم أوكرانيا في تنفيذ هجمات داخل الأراضي الروسية    عاجل - يظهر بلون مائل إلى الأحمر.. اعرف موعد ومراحل الخسوف القمري    إصابة 7 اشخاص في حادث تصادم سيارتين بطريق الصعيد الزراعي في المنيا    بفستان جريء.. نادين نجيم تخطف الأنظار في مهرجان الفضائيات العربية (صور)    بعد إعلان موعد الظاهرة الفلكية الأربعاء المقبل.. اعرف خطوات صلاة الخسوف 2024    أمير سعودي يرد على اتهامه بمحاولة قتل فهد المولد.. وبيان من شرطة دبي    رضا عبد العال: أتمنى مشاركة هذا اللاعب مع الزمالك ضد الأهلي    قلق أمريكي من قرار نتنياهو توسيع العملية العسكرية في لبنان    بروتكول عمالي بين مصر وليبيا لخدمة وتطوير العمل النقابي في مجال النقل    نائب رئيس مجلس الوزراء: انتهاء أعمال تطوير برج الزقازيق للقطارات الشهر الجاري    مواجهات عنيفة بين قوات الاحتلال وفلسطينيين في طولكرم    وزيرة التضامن تعزي والدة ضحايا قطار الزقازيق وترافقها لإنهاء إجراءات تصاريح الدفن (صور)    وزير النقل: نتقدم بالتعازي لأسر وفيات حادث قطاري الزقازيق    الدفاعات الجوية الروسية تصد هجوما أوكرانيا بالمسيرات على عدة مقاطعات    «السبكي» يحسم الجدل بشأن عرض فيلم الملحد.. ماذا قال؟ (فيديو)    إيمان العاصي تروج لمسلسلها الجديد «برغم القانون»    نهال عنبر تكشف تطورات حالتها الصحية بعد إصابتها بقطع في وتر الكتف (فيديو)    «الزمالك» يكشف خبر صادم لجماهيره بشأن أزمة القيد مجددًا    الذكرى العطرة لمولد خير البرية    وفاة شخصين وإصابة آخر في حادث تصادم سيارة ودراجة نارية بالفيوم    ديربي شمال لندن والأهلي.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    ارتفاع سعر الفراخ البيضاء واستقرار كرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 15 سبتمبر 2024    سعر الجمبري والسبيط والسمك بالأسواق اليوم الأحد 15 سبتمبر 2024    سعر الفول والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأحد 15 سبتمبر 2024    انخفاض في أسعار الدولار الشهرين المقبلين.. تفاصيل    أنتظر مكالمة من شخص بعيد.. توقعات برج القوس اليوم الأحد 15 سبتمبر    حدث بالفن| أسماء جلال تعلن عن مفاجأة مع ويجز وملحن يهاجم عمرو مصطفى ووفاة ممثلة كبيرة    علي الحجار: محمد منير قادر على هزيمة المرض وتخطي الوعكة الصحية    بشرى سارة للعاملين بجامعة القاهرة.. صرف مكافأة 1500 جنيه استعدادا لبدء العام الجامعي    خبير اقتصادي يكشف عن إنفاق الدولة رقما كبيرا في دعم الصادرات    للمقبلين على الزواج.. استشاري تغذية يكشف أكثر أنواع الحلل أمانًا    مش لاقي دوايا.. خيري رمضان يرد على تصريح استهلاك الأدوية: ماحدش يعاير المصريين بمرضهم    سفير مصر بكينشاسا يُشارك في جلسة «للخلوة» تعقدها مجموعة أصدقاء نزع السلاح والتسريح    كامل الوزير: ننتظر تحقيقات النيابة فى حادث قطارى الزقازيق    يعاشر خادمته.. أول تحرك من وزير الأوقاف ضد إمام واقعة كمبوند القاهرة الجديدة    الوفد: سنقدم تعديلاتنا بشأن "الإجراءات الجنائية" بالجلسة الأولى بدور الانعقاد الخامس    مصرع شابين صدمهما قطار بطوخ    ملخص وأهداف مباراة ريال سوسيداد ضد الريال في الدوري الإسباني    رئيس جامعة الزقازيق: توفير كل سبل الرعاية الطبية لمصابي حادث قطاري الشرقية    كنز غذائي.. تعرف على فوائد الفول السوداني الصحية    في فصل الخريف.. 8 أعراض للإصابة بالتهاب الجيوب الأنفية الحاد    محافظ كفر الشيخ يشهد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في مسجد الخياط    بالصور.. أوقاف كفر الشيخ تحتفل بالمولد النبوي فى مسجد إبراهيم الدسوقى    100 ألف جنيه.. التضامن: حصر ضحايا حادث قطاري الزقازيق لتعويضهم    كيفية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ؟ الإفتاء تجيب    تهنئة المولد النبوي 2024.. أجمل العبارات في مدح النبي (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالف لأشرب من زيرك

«حالف لأشرب من زيرك، لو كان المية طين.. أتمايل وأنا أبوسك يا رباية السلاطين». يدور فى رأسى الكلام والصوت والحركة لتلك السمراء فارعة الطول التى رأيتها فى البلاد البعيدة.
قضيت أسبوعا كاملاً بلا موبايل ولا تليفزيون ولا حتى صحيفة، أسبوع خارج التغطية، هكذا فكرت فى كتابة عنوان هذا المقال، بعيداً عن «الحضارة» أو خارج التغطية. الحياة خارج التغطية، حياة كاملة، لا تحس فيها بالصداع، تصحو فيها من نومك دونما النظر إلى شاشة الموبايل، لا تحاول أن تتنصت الأخبار، فقط تصحو مستقبلاً يوماً جديداً، بكل علاماته الطبيعية، شروق الشمس وانتصاف النهار والغروب.
كان من أقرب الناس إلى فى ذلك الأسبوع اثنان من أبناء أخى، عمر الأول ثمانية أعوام والثانى خمسة. جاءا إلىّ ذات صباح ومعهما بيضة يمامة، أو ما نطلق عليه هنا اسم «القمرية»، وطائر القمرى أصغر من الحمامة قليلاً، بنى اللون، له صوت جميل مربوط فى الذاكرة المحلية بالتسبيح والدعاء. «ثم السلام ألف تحية، ما غرد القمرى فى حب الله». قال ابن أخى الأكبر: «شفت بيضة القمرية يا عمى؟» قلت: مالها؟ قال: صحبتها ماجتش ليها خمستيام» أى أن (صاحبتها لم تأت إليها منذ خمسة أيام) أحط البيضة فى عش تانى؟
نظر إليه أخوه الأصغر الذى كان يستمع إلى الحديث بنهم، «خليها مطرحها (أى دعها فى مكانها)، لو حطيتها فى عش تانى القمرية تتخربط فى البيض (أى لن تعرف القمرية أى بيضة لها وأى بيضة لغيرها وتختلط الأنساب)». وحملا بيضتهما ورحلا.
لا أخفيك سراً، إن قلت لك إننى اشتقت إلى قراء الصحيفة بعد أربعة أيام، فسألت أحدهم: الجرايد مبتجيش هنا؟ ألا تأتى الصحف إليكم؟ الجورنان؟ هكذا يعرفونها ينطقونها. قال لى رجل فى متوسط العمر: مالك بالجورنان؟ أى ماذا تريد من الجورنال؟ رفع وجهه ونظر إلىّ نظرة العارف المتمرس وقال «إنت فاكر أفلام زمان لما كان المخبر يعمل خرمين فى الجرنان ويبص لك من وراهم؟ قلت: فاكر، ولكن ما علاقة ذلك بسؤالى؟».
قال: «زمان كان المخبر ينظر لك من ورا الجورنان، دلوقتى (الآن) يطلع لك فى الجورنان نفسه، الناس بقت جن وليس من بنى الإنس، اليومين دول، يا عمى صلى ع النبى». تفكرت فى العبارة ومعانيها العميقة بعد أن تركنى، وقلت فى نفسى هذه هى قمة النقد لصحافة اليوم، ولكن صاحبى أطلقها ومشى فى حال سبيله.
عاد ولدا أخى فرحين، ولم أعرف سبب فرحتهما هذه المرة، كادت الفرحة تنسكب خارج عيونهما الصغيرة، فنظر إلىّ الأصغر قائلاً وهو يقفز فوقى، «يا عمى، القمرية جات» أى عادت اليمامة إلى عشها، قالها وهو يتشبث بى كقرد صغير من أنواع الشمبانزى. عودة اليمامة كانت بالنسبة لهما حدثاً كبيراً (بريكنج نيوز). لما ذهبنا إلى حفل كان قريباً منا، أحسسنا أننا لم نسر من قرية إلى قرية تبعد بأقل من كيلومتر واحد، وإنما مشينا من زمان إلى زمان، من بلاد إلى بلاد، حيث اختلفت اللغة واختلفت النغمات، وحركة الجسد، وكذلك محددات المسموح ومحددات الرغبة.
بدأت إحدى الفتيات الطوال السمر تغنى بنغم فيه شجن وعتاب فى آن، كلمات سحرتنى وقد لا تسحر غيرى، بدأتها هكذا:
«عبادى ياواد عبادى ياراكب ع الهجين.. حالف لأشرب من زيرك، لو كان المية طين.. وأتمايل يا سمارة، يا رباية السلاطين».
وكانت المغنية تتمايل فى ثوب يكاد يسقط من جسمها لما فى القطن من انسيابية وثقل تحت وطأة جسدها ووطأة الجاذبية، ومع ذلك كان الثوب محافظاً ومحتشماً، أو هكذا خيل لى فى الحالتين. ثم صدحت فى سكون الليل البعيد: «تحت الشفة الرقيقة يحلى مضغ اللبان.. أتمايل وأنا أبوسك يا عويد الخيرزان.. يجرالك ما جرا لى ياللى تلوم على».
غنتها وكأنها تغنى أغنية عادية رغم ما فيها من تلميح عال من الإيروتيكا المحلية. بدا وجهى للجميع خجولاً أو مدعياً عدم الملاحظة، فغمزنى من يجلس بجوارى، قائلاً: رأيك إيه، بتسمع دا عنديكم (هل تسمع مثل هذا عندكم؟)، قلت: لا. وحدثنى عن أنواع الشفاة ورقتها من الناقة إلى المرأة، وقال لى هذا ما نسميه ب«الدور الأخضر»، والدور ليس طابقا فى بناية، بل هو المقطع فى الأغنية أو فى الشعر، أى أن تقول «هات لنا دور» أى ألق علينا قصيدة.
والدور الأخضر، هو القصيدة التى تدغدغ الحواس وتلهب المشاعر الحسية. ولهؤلاء القوم أنواع من التبرير القيمى لمثل هذه الأشعار، كما أن هذا النوع من الشعر يعد نوعاً من التصريح للسلوكيات، فالأغنية تبدو انعكاساً لمنظومتهم القيمية الحاكمة.. غنت الفتاة السمراء فارعة الطول بصوت شجى وواثق:
«اتلم ولاد الهوا.. يشكوا لقاضى الغرام... عشق البنات ياقاضى حلال ولا حرام... يحرم على المتجوز أما العازب حلال».
وبعد أن أصدرت المغنية هذا الحكم الغنائى صفق الشباب من غير المتزوجين وكأنهم حصلوا على تصريح مطلق.
ودعت حبيبى الغالى والدمع فى عينى
يجرالك ما جرالى ياللى تلوم على
وهكذا ودعت المكان، وقليل من الدموع فى مقلتى. وهكذا كانت حياتى لأسبوع خارج التغطية، أو حسب رؤيتى، فى كامل التغطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.