الشحاذون الفقراء، والنبلاء الأثرياء، كلاهما يمر بأوقات يكون فيها حافى القدمين، فإذا كانت لدى النوع الأول معادلاً لضيق ذات اليد وتعبيراً عن ضنك المعيشة، فإنها لدى النوع الآخر رفاهية واستجمام، وفى الحالين يجعل الحفاء من معتاديه أشخاصاً استثنائيين. قديما احتكرت طبقات بعينها انتعال الأحذية، مما دفع الحكومات لإطلاق حملات «مكافحة الحفاء» أملاً فى المساواة، أما اليوم فقد صار الحفاء درباً من الترف الروحى لا يدركه كثيرون. السينما العالمية جعلت من الحفاء مدخلاً لرصد الفروق الطبقية، ففى فيلم «بريتى وومن» مثلاً تقوم الأحداث على المفارقة بين طباع بطلين، يمثلان طبقتين، وحينما قرر البطل التخلى عن لبس حذائه ومارس الحفاء بمحض إرادته، فقد تخلى عن حياة بلا روح مقابل حياة جديدة أكثر عاطفية وأقل كلفة. إلى ذلك أظهرت دراسة ألمانية حديثة أهمية الحفاء للأطفال بشكل خاص، لأنه يحسن وظائف المفاصل، ويقوى عظام القدم، وحثت الدراسة على ترك الأطفال بعض الوقت وليس دائماً يركضون حفاة وعلى إلباسهم أحذية لينة، وبرهنت على خطورة التصور القديم حول ضرورة إحكام قدم الطفل داخل حذاء ضيق وقاس حتى لا تنمو بشكل مبالغ فيه، لأن ذلك يؤدى لتشوهات. كما تشجع بعض الاتجاهات الطبية الحديثة ممارسة الحفاء لأنه يحث الكبد والقولون والجلد على تحسين وظائفها وطرد السموم، ويساهم فى زيادة التركيز والقدرة على التذكر والتخلص من الضغوط النفسية، فالقدم تحوى نهايات عصبية تتصل بكل أجزاء الجسم، وعندما يمشى الشخص حافياً يضغط على هذه المراكز التى تحسن من وظائف الجسم، خاصة إذا مشى على أرض مرنة وليست صلبة تماما، كالمغطاة بالرمال والحصى، والحشائش. يقول الفنان خالد أبوالنجا: أمشى حافياً أحيانا فى الصيف بسبب حرارة الجو، ولكنها ليست عادة أداوم عليها، وإنما أمارسها من وقت لآخر إذا شعرت بحاجة لأن أكون على طبيعتى، وأسترد فطرتى الإنسانية الأولى التى أتخلص فيها من عاداتى المدنية مؤقتاً، الحفاء ممتع ليس لوقعه المادى حينما تلامس الأرض مباشرة وتشعر بها وإنما لوقعه الروحى، يتركك خفيفاً كريشة، حراً، متخففاً من حمولك. وتقول الفنانة التشكيلية سارة إبراهيم: أحب المشى حافية خصوصاً على رمال الشاطئ وعلى النجيل الأخضر، عندما تتسرب إلى رطوبة لذيذة من الأرض، وأشعر بأنها تثلج قلبى وليس أقدامى فقط، أحس معها بالانتعاش، والتفاؤل، أما فى المنزل لا أتعمد المشى حافية ولكننى أستمتع به أيضا إذا حدث صدفة. قدر الفنانون القدامى الحفاء كثيراً وساد اتجاه فى الفن الكلاسيكى لرسم ونحت الموديلات حافية القدمين، إيمانا بأن الحفاء يزيد اللوحة أو المنحوتة جمالاً ويظهر براعة الفنان فى تصوير وتجسيد أدق التفاصيل الإنسانية.. وفاء أحمد «مديرة روضة للأطفال» تقول: نشترط أن يخلع الأطفال أحذيتهم على الباب قبل الدخول، ولبس نعال خاصة بالحضانة، لتجنب تلويثهم لأماكن تجمعهم، ولا نسمح لهم فى المقابل بالمشى حفاة، لأن ذلك يضر تكوين أقدامهم، ويعمل على نشر التلوث، خاصة أنهم يصعدون بأرجلهم على الوسائد والكنب والأسرة.