بينما تملأ صور الضحايا الفلسطينيين، من قتلى لجرحى لمشردين لمعتقلين، شاشات التليفزيونات العالمية، وفى الوقت الذى تحدى فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وحكومته الصهيونية المتطرفة جميع القوانين والشرائع الدولية بالتوسع الاستعمارى الاستيطانى فى فلسطينالمحتلة والتهديد بطرد عشرات الآلاف من أبناء الضفة الغربية بدعوى أنهم «يقيمون» فى وطنهم، دون تصريح من «سيادته»؟! قرر رئيس بلدية باريس، الاشتراكى، برنارد دولانوى تكريم رئيس أول حكومة فى إسرائيل عام 1948، الذى أسس لدولة عنصرية قامت على أشلاء جثث الفلسطينيين وحقوقهم، بوضع اسمه على متنزه بمحاذاة نهر السين فى قلب العاصمة الفرنسية، وذلك فى حضور الرئيس الإسرائيلى الحالى شيمون بيريز، وقد أثار هذا التصرف، خاصة من ناحية توقيته، زوبعة واستياء واستنكاراً من جانب عدة منظمات وحركات يسارية وكذلك «الخفر» أو حماة البيئة وتجمع المئات من أنصارهم، فى موقع «الاحتفال»، حيث هتفوا ضد رئيس البلدية وكذلك ضد بيريز. هذا الموضوع تابعه الفرنسيون فى وسائل إعلامهم وحاول دولانوى تبرير فعلته بأنه «مع حق إسرائيل فى الوجود»؟! وكأن العرب هم الذين يهددن هذه الدولة التى تغتصب حقوقهم كل طلعة شمس وتهزأ بقرارات الأممالمتحدة، التى نشأت إسرائيل بقرار منها، وكأن «تهويد» القدسالمحتلة ليس انتهاكاً من جانب دولة الاحتلال وفقاً للقانون الدولى، الذى يحظر عليها تغيير معالم الدولة التى تحتلها.. المهم أن المعارضين، الذى هتفوا ضد رئيس بلدية باريس ووصفوا بن جوريون بأنه سفاح كما شيمون بيريز سفاح، انتزعوا اللوحات المعدنية التى تحمل اسم بن جوريون بعد وضعها يوم 15 أبريل ببضعة أيام وهو ما أثار غضب اللوبى الفرنسى المؤيد لإسرائيل مهما ارتكبت من جرائم، علماً بأن بعض التنظيمات المعارضة لتكريم بن جوريون كانت يهودية لكن معادية للصهيونية.. هذا الجدل انتقل إلى البرلمان الفرنسى، حيث استحال موقف المؤيدين لإسرائيل إلى وضع محرج لا يقبل الدفاع عنه، واعتبر بعضهم أن سياسة تل أبيب باتت مرفوضة من الرأى العام الفرنسى، إذ كيف يبرر هؤلاء الأصدقاء مثلاً، استمرار سياسة الاستيطان الاستعمارى وجدار الفصل العنصرى واعتقال آلاف المقاومين الفلسطينيين وتشريد الآلاف غيرهم، ناهيك عن سياسة القمع الوحشى.. وزير خارجية فرنسا الأسبق هيرفى دوشاريت أعرب فى البرلمان عن استنكاره لموقف الحكومة الفرنسية وأدان تهويد القدسالشرقية وحصار غزة، الذى حول القطاع إلى سجن كبير وتوجه بسؤال: ماذا فعلت فرنسا وأوروبا لوقف الاستيطان؟.. لا شىء! وأضاف دوشاريت: إننى أطالبكم بالاستماع إلى صرخات الشعب الفلسطينى، الذى هو ضحية ظلم تاريخى. واعتبر العديد من النواب أنه لا أحد يشير إلى سلاح إسرائيل النووى وأن الكلام عن «دولتين» فى ظل الاستيطان المحموم ما هو إلا محاولة لتخدير الرأى العام العربى والعالمى وسط هذه الزوبعة، قصدنى شاب فرنسى من أصل جزائرى أثناء سيره فى الشارع يدعونى إلى مساعدته فى مواجهة ساركوزى، وبسؤالى عن هدف الحملة أجاب: لأنه ضد العرب والإسلام، فهو يريد منع ارتداء النقاب! قبلها نقلت قناة فرنسية جزءاً من خطبة نارية لأحد الشيوخ تتهم الغرب الفاسق بمحاربة الإسلام.. لأنه يمنع ارتداء النقاب! لكن لا الشاب ولا الشيخ أتيا على ذكر ما يجرى للمسجد الأقصى وتهويد القدس.. ويبدو أنهما تركا هذه المهمة للفرنسيين، الذين تصدوا لدولانوى وتفرغا للقضية الأسمى.. إباحة ارتداء النقاب؟!