عندما كان فى الرابعة من عمره، لم يطلب، كأى طفل، فى مثل سنه مسدساً لعبة أو سيارة تسير بالريموت، لكن احتياجاته كانت أكثر تعقيدا بالنسبة لوالديه، حيث طلب منهما أن يحصل على آلة «الفيولينة»، وهى آلة وترية تُعرف فى الوطن العربى ب«الكمنجة»، ولأن بنيته الصغيرة وقتها لم تسمح له بحمل آلة بهذا الحجم، استعاض والداه عنها بفيولينة «لعبة»، حتى بدأ العزف على أول آلة حقيقية وهو فى السابعة. عشق محمود سعيد «21 عاما» آلة الفيولينة منذ صغره، وهو ما دفع والدته لإلحاقه ب «الكونسرفتوار» لتعلم أصول الموسيقى بشكل علمى، حيث درس آلة الفيولينة على يد الدكتور منير نصر الدين، وأبدى تفوقا ملحوظا حتى أصبح حاليا واحدا من أصغر المعيدين فيه، وذلك بعد تخرجه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، لكن مشكلته الوحيدة تكمن فى عدم استيعاب معظم المحيطين به طبيعة عمله، لندرة الثقافة الموسيقية وتحديدا الكلاسيكية التى يتقنها «سعيد»، فيفاجأ بأسئلة مثل: «إيه الآلة اللى انت بتمسكها دى؟ ويعنى إيه أساسا مزيكا كلاسيكية»: «ده رد فعل طبيعى، مفيش اهتمام كافى من الدولة لتعليم الفنون بشكل عام وتحديدا المزيكا، رغم أن الموسيقى هى مرايا تقدم الدول». من المحطات الفارقة فى حياة «سعيد»، اشتراكه فى أوركسترا «ديوان الشرق والغرب» تحت قيادة المايسترو العالمى دانييل بارينبويم، الذى أثير حوله جدل مؤخرا بسبب دعوته لإقامة حفل فى الأوبرا رغم أنه يحمل الجنسية الإسرائيلية، وهو ما دافعت عنه وزارة الثقافة بأنه يحمل جنسية فلسطينية فخرية أيضا، وكان منطق «سعيد» فى الاشتراك معه هو: «بارينبويم ضد السياسات الإسرائيلية بشكل كامل، وهو واحد من أفضل ثلاثة قادة أوركسترا على مستوى العالم، وطالما هو موسيقى متميز فيجب على كل عازف الاستفادة منه. ورغم أن المزيكا ممكن توصل رسالة سلام للعالم بدل الحرب، لكن فى الظروف اللى إحنا فيها أى أوركسترا فنى مش هيقدر يعمل حاجة».زار «سعيد» معظم دول العالم، وقدم حفلات فيها، وهو ما يدفعه أحيانا للمقارنة بين الإقبال على الحفلات الموسيقية داخل مصر وخارجها: «فى مصر مفيش إقبال كبير من معظم المواطنين، وحتى لما بنقدم حفلة فى الأوبرا بنلاقى إن معظم الجمهور من الأجانب اللى عايشين فى مصر، لكن فى الدول الأوروبية عازف المزيكا عندهم زى لاعب الكورة عندنا، بياخد اهتمام ورعاية من الدولة وتشجيع ودعم من المواطنين». يأمل «سعيد» كثيرا أن يستطيع أن يكمل تعليمه فى إحدى الدول الأوروبية، وتحديدا ألمانيا، ففى مصر لا يوجد سوى أوركسترا القاهرة السيمفونى وأوركسترا أوبرا القاهرة فقط. أما فى ألمانيا فلكل مدينة صغيرة الأوركسترا الخاص بها، لذلك فإن «سعيد» يحلم بالفرصة التى تجعله يدرس فى ألمانيا بعض الوقت، ويعود لمصر مرة أخرى لتنمية الوعى الموسيقى لجميع المواطنين، من خلال مدرسة لتعليم الموسيقى يحلم بإنشائها، وحفلات موسيقية فى جميع محافظات مصر وليست القاهرة فقط.