مثلت النتائج الأخيرة لانتخابات مجلس الأمة الكويتى التى جرت فى مايو الماضي، ضربة موجعة للحركة الدستورية الإسلامية «حدس» المحسوبة على الإخوان المسلمين إذ تراجع تمثيلها فى البرلمان إلى أدنى مستوى له منذ إعلان الحركة رسميا فى مارس 1992، بحصولها على مقعد واحد وهزيمة جميع مرشحيها الآخرين، إلا أنها ومع انتقالها لمقاعد المعارضة، ومع فشلها فى استغلال فرصة الاعتراف الرسمى بها، تظل جماعة الإخوان المسلمين الكويتية رقما صعبا لا يمكن تجاهله فى الحياة السياسية. ولدت «حدس» من رحم جمعية الإصلاح الاجتماعي، الكيان الأبرز للإخوان المسلمين داخل الكويت، الذى ظل محافظا على طابعه الاجتماعى والدعوى منذ إشهاره رسميا عام 1963، وكان الهدف من إعلان الحركة عقب تحرير الكويت، إيجاد كيان سياسى مؤسسى يتعاطى مع الواقع الكويتى والسلطة بوضوح إلا أن «الحركة» واجهت قبل وأثناء قيامها اختبارا صعبا تمثل فى موقف الإخوان المسلمين خارج الكويت الرافض للدور الغربى فى عملية التحرير فى وقت كان فيه الواقع الكويتى يؤيد ذلك، وهو ما دفع الحركة لإعلان انفصالها عن التنظيم الدولى للإخوان رغم كونه المرجعية الفكرية للمنتمين للحركة. ورغم المخاض العسير، حققت الحركة وجودا ملحوظا فى الشارع الكويتى كغيرها من التيارات الإسلامية التى حظيت بقبول كبير فى الشارع، وترجم الأمر سريعا بحصد الحركة ثلاثة مقاعد فى انتخابات 1992، حتى وصلت لذروة نجاحها بحصولها على 6 مقاعد فى انتخابات 2006 من إجمالى عدد مقاعد مجلس الأمة التى تبلغ 50 مقعدا، وهى نتيجة تعد كبيرة فى بلد تسيطر عليه القبلية والعصبية ويموج بالتيارات السياسية والطائفية. ويرى الأمين العام للمنبر الديمقراطى عبدالله النيبارى، أحد منافسى «حدس» الذين خسروا أيضا فى الانتخابات أن الهزيمة الثقيلة للحركة السياسية مرجعها سوء أداء نوابها فى البرلمان وعدم تقبل الشارع لبرنامجها فى الوقت الراهن، لكنه يؤكد فى الوقت ذاته أن حركات الإسلام السياسى بالكويت وفى مقدمتها «الإخوان المسلمين» تعتبر تنظيما سياسيا قويا، لما تتمتع به من الإمكانيات المادية والطاقات البشرية كما أنها لم تخسر أمام قوى أخرى لكون اختيارات الشارع الكويتى ذهبت لأفراد وليس لحركات سياسية نتيجة لتحكم عوامل قبلية وطائفية فى الانتخابات أيضا . وأضاف النيبارى إلى عوامل الهزيمة المتعلقة بأداء النواب وظروف المجتمع عاملاً آخر هو تحالف الحركة مع عدد من أصحاب المصالح فى الأوقات السابقة، فى إشارة إلى استجواب رئيس الوزراء حول مشروع «داو كيميكال»، الذى تسبب فى إقالة الحكومة، رغم نظر المعارضة له باعتباره استجوابا «غير مبرر». واعترف الأمين العام للحركة الدكتور ناصر الصانع، الذى تولى المسؤولية مؤقتا عقب الانتخابات، بأن الحركة خسرت بتحالفها مع الحكومة قبل أن تنتقل للمعارضة وترفض الانضمام للحكومة الأخيرة، لكنه يرى أنه هذه الخسارة لم تكن مفاجئة فالحركة شاركت فى الحكومة أكثر من مرة وعليها أن تتحمل مسؤولية ذلك، فنتيجة أى تجاوز تقوم به يتحملها المشاركون فيها. ويفرق نائب الأمين العام السابق للحركة محمد الدلال وهو أحد الذين كانت خسارتهم مزدوجة بتقديم الاستقالة من المنصب والخسارة فى الانتخابات كمرشح، بين التحالف مع الحكومة ومهادنتها إذ يرى أن الاتهامات التى وجهت لها بالانتهازية على ضوء علاقتها بالحكومة اتهامات غير واقعية كونها قدمت وشاركت فى عدد من الاستجوابات الحيوية التى انتقدت الفساد وتراجع الأداء وسوء الإدارة، كما صوتت على العديد من التشريعات بما يخالف التوجه الحكومى رغم عضويتها بالحكومة، بل وصل الأمر إلى إنهاء علاقتها بأحد ممثليها فى الحكومة حين خالف موقف الحركة من قضية تعديل الدوائر الانتخابية. ويؤكد الكاتب والمحلل السياسى التقدمى أحمد الديين، أن الحركة الدستورية، رغم خسارتها الأخيرة، تظل رقما صعبا لا يمكن تجاهله فى الحياة السياسية الكويتية، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن التراجع طال جميع القوى السياسية، إضافة إلى أن الكويت عموما تشهد حالة من الانحدار أو الفوضى السياسية لا ترتبط بالحركة كتيار سياسى. ويرى الديين أن التحدى الأكبر أمام الحركة التى لا يزال عناصرها التقليديون يحافظون على علاقتهم بحركة الإخوان المسلمين رغم الانفصال الفعلى هو أن تتحول لتصبح حزبا ديمقراطيا إسلاميا كالأحزاب الديمقراطية المسيحية فى الغرب بمعنى أن تتحول من حزب عقائدى إلى حزب ديمقراطى إسلامى.