قد تكون دوافع أحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب حميدة.. فقد كان يحاول الدفاع عن موقف الحكومة أمام نواب الإخوان الذين طلبوا الرد على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة ضد المقدسات الإسلامية بسحب السفير المصرى من تل أبيب وطرد السفير الإسرائيلى من القاهرة.. وربما قصد فى كلامه أمام لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب أن الانتهاكات الإسرائيلية تمس العرب والمسلمين جميعا وليست شأنا مصريا خالصا. إلا أن أحمد عز بموقعه القيادى فى الحزب الوطنى وداخل مجلس الشعب وبقربه من البيت الرئاسى ومراكز صنع القرار، ليس رجلا عاديا يمكن التجاوز مع زلات لسانه.. بل إن هذه الصفات تفرض عليه أن يزن كلامه ألف مرة قبل أن ينطق.. وليس من حق أحمد عز أن يستخدم ألفاظا وعبارات يفهم منها رجل الشارع العادى أن مصر يمكنها أن تحارب بأموال قطر أو غير قطر، ففى ذلك إهانة لا يقبلها مصرى مخلص للقوات المسلحة، ومساس بالمؤسسة المصرية الوحيدة التى لاتزال تحظى باحترام وتقدير كل المصريين على اختلاف توجهاتهم السياسية. وقد نقلت الصحف عن أحمد عز قوله فى لجنة الدفاع والأمن القومى ردا على نواب الإخوان وفى إشارة للشعب الفلسطينى: «لا نبكى إلا على مصر.. فالمواطن المصرى يحتل الترتيب من 1 حتى 100، وأى جنسية أخرى تأتى بعد ذلك».. وأضاف: «لو قامت حرب بعد 6 شهور، هل ستوافق قطر على دعم مصر؟ وهل ستفعل السعودية أو الجزائر ؟.. التضامن العربى لا خلاف عليه.. ولكن إذا أراد العرب الحرب، فعلى كل منهم أن يقدم جزءا مما لديه، ومصر ستكون رقم 1، ولكنها لن تكون الوحيدة». ومالا أعتقد أن أحمد عز يدركه، أن اهتمام مصر بالقضية الفلسطينية وخوضها حروباً أربعاً، لم يكن تعاطفا أو شفقة أو مجاملة للفلسطينيين، ولكنه كان أولوية من أولويات الأمن القومى المصرى.. وهو نفس السبب الذى من أجله تسعى مصر لمحاولات إعادة عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. ولا يعنى الانقسام الفلسطينى أن نتخلى عن القضية.. فالعمل السياسى تحكمه الأولويات.. والعلاقات بين الدول تحكمها المصالح.. ولا توجد دولة فى العالم تتورط فى حرب إلا بعد أن تعجز أدواتها السياسية والدبلوماسية عن تحقيق أهدافها المباشرة. وحينما يعلن أحمد عز أن مصر مستعدة لأن تكون فى المقدمة بشرط أن تدعمها قطر، فهذا كلام خطير ومغلوط.. ففيه مساس بمكانة مصر، بل إن مثل هذا الكلام الساذج هو الذى يدفع دولا صغيرة للتطاول على مصر وتنال من هيبتها، ويفتح الباب للمزايدات، علاوة على أنه يثير حفيظة المصريين الغيورين على قواتهم المسلحة.. فجيش مصر العظيم ليس مرتزقة يحارب بأموال قطر أو لمصالح أحد غير مصر، ولكنه يحارب فقط إذا اقتضت ضرورات الأمن القومى المصرى ذلك.. فمن الممكن أن تنخرط بعض الدول العربية فى حرب واحدة لا يكون لمصر مصلحة فيها فلا تدخل كطرف بها، ورغم أن دور مصر يفرض عليها مساندة العرب بأى وسيلة من الوسائل، إلا أن الحرب لها حسابات مختلفة.. وقرار الحرب فى مصر لايمكن إلا أن يكون بدافع من المصلحة الوطنية، ووفقا للأولويات التى يحددها الأمن القومى المصرى. وما ذهب إليه أحمد عز، سواء كان واعيا لخطورته وتأثيره أم لا، لا يختلف عن وجهات نظر نسمعها من بعض ضيوف قناة الجزيرة القطرية الذين يتساءلون عن الجيش المصرى كلما حلت أزمة.. ويكون رد العقلاء من أبناء مصر دائما أن الجيش المصرى يحارب من أجل المصالح المصرية فقط ولا يحارب بالوكالة لمصلحة الغير، وليس معروضا للإيجار من قبل دولة تملك المال.. وفى كلام أحمد عز تشابه كبير مع نفس منطق هؤلاء.. ورغم أن كلام ضيوف الجزيرة يشعرنى بالفخر فى كثير من الأمر لأنه ينطوى على تقدير مستتر للجيش المصرى، إلا أن كلام أحمد عز هو الذى يشعرنى بالخزى لأنه صادر عن مسؤول مصرى. وأنا شخصيا لا أتفق مع مطالب نواب الإخوان.. ولكننى أرفض أيضا أن يكون الرد عليهم بشكل يوحى بأن مصر عاجزة، فمصر لديها فعلا أوراق يمكنها أن تلوح بها فى وجه إسرائيل ومنها الغاز مثلا، ولكننى لا أدرى لماذا لاتستخدمها.. ولو كان العرب يريدون حقا وقف الانتهاكات الإسرائيلية فى القدس لظهر ذلك بإجراءات حقيقية وتنفيذية جماعية فى القمة العربية المنعقدة حاليا فى مدينة سرت الليبية.. وهذا مالا أتوقعه على الإطلاق. طالما أن أحمد عز لا يستطيع ضبط ألفاظه.. فليصمت، فالكلام فى الأمور ذات الأهمية الاستراتيجية والموضوعات المتعلقة بالأمن القومى يحتاج خبرات أكبر من خبراته فى تجارة الحديد. [email protected]