صدر مؤخراً كتاب (الوجود البريطانى فى الإدارة المصرية 1922 -1956)، للد كتورة عبير حسن عبدالباقى، عن المجلس الأعلى للثقافة، ويتناول تاريخ الإدارة المصرية وتطورها وسيطرة البريطانيين عليها، وتدخلهم فى شؤونها، واستمرار نفوذهم بها حتى بعد الاستقلال المعلن فى تصريح 28 فبراير 1922، وحصول مصر على حق الاستغناء عن الموظفين البريطانيين فى الإدارة المصرية. وأيضا يوضح النفوذ والمكانة التى حازها الموظفين البريطانيين فى مصر، وكيف استمروا فى إدارة كل المصالح والإدارة والمؤسسات الحكومية المختلفة من خلال نفوذهم، وتحكمهم فى المناصب المهمة وحصولهم على امتيازات كثيرة، رعاها المندوب السامى البريطانى ثم السفير البريطانى فيما بعد، وبذلك يوضح البحث كيف تحول الاحتلال البريطانى العسكرى إلى احتلال إدارى، وكيف تم استبدال القوات العسكرية البريطانية، بجيش من الموظفين والإداريين البريطانيين بحيث تم تمكينهم من مناصب مهمة وحيوية، بعد تصريح 28 فبراير 1922، وذلك حرصاً على أن يكون هؤلاء الموظفون عيونهم فى داخل البلاد المصرية، ويد التدخل فى الحياة السياسية المصرية. وقد ركز الكتاب على توضيح مدى تأثر وضع الموظفين البريطانيين فى مصر بتطور وتغير الأوضاع السياسية فى مصر، خاصة بعد تصريح 28 فبراير1922، وبعد إلغاء معاهدة (1936) فى عام 1951، حيث كان هذان الحدثان نقطتين هامتين وفاصلتين فى تاريخ الموظفين البريطانيين فى مصر. فبعد صدور تصريح 28 فبراير 1922، صدر قانون 28 لسنة 1923 «قانون تعويضات الموظفين الأجانب»، الذى كان سلاحاً ذا حدين، حيث أصدرته الحكومة المصرية ليخلصها من الموظفين البريطانيين المسيطرين على إدارتها ومصالحها، لكن الموظفين المصريين غير المدربين لم يستطيعوا وحدهم تحمل عبء الإدارة فى مصر، فتمت إعادة تعيين نفس الموظفين البريطانيين تقريباً فى نفس المناصب، ربما برواتب وميزات أفضل مما كانوا عليه قبل صدور القانون، هذا بعد أن كانوا قد حصلوا على مكافآت وتعويضات ضخمة بمقتضى نصوص هذا القانون. وأوضح الكتاب أنه كان للحكومات المصرية موقف غريب من الموظفين البريطانيين فى مصر، فقد كانت أحرص عليهم وعلى مصالحهم من الحكومة البريطانية، بحيث نالوا الكثير من المحاباة والاستثناءات والامتيازات، وفى بعض الأحيان كانت الحكومات المصرية هى التى تسعى إلى تعيينهم فى إدارتها ومصالحها، وذلك بسبب الاقتناع بكفاءة هؤلاء الموظفين وخبراتهم الفنية، لذا كان تطاول سلطات الموظفين البريطانيين، وعظم قدرهم ونفوذهم نتيحة لضعف وتخاذل الساسة المصريين، الذين كان بعضهم قليل الخبرة والحنكة السياسية. وأمام هذا الضعف لم يعدم البريطانيون وسيلة فى الحصول على المزيد من الامتيازات والنفوذ، والاستمرار فى السيطرة على المناصب والمراكز المهمة، داخل أغلب الإدارات والمصالح الحكومية حتى فى أصعب الفترات والأزمات السياسية فى مصر، خاصة منذ مصرع السردار السير لى ستاك وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وتؤكد المؤلفة أن موضوع الموظفين البريطانيين فى الإدارة المصرية قد نال اهتماماً كبيراً من قبل المفاوض المصرى والبريطانى أيضا فى كل المفاوضات المصرية – البريطانية طوال فترة (1922-1936)، بحيث حرص المفاوض البريطانى على تأمين وظائفهم ومناصبهم، وضمان الحقوق المادية لمن يتم الاستغناء عنهم. وأن الاستغناء عن الموظفين البريطانيين وطردهم من مصر فى عام 1951 كان محاولة من حكومة الوفد الأخيرة – برئاسة النحاس باشا – لتحسين صورتها واسترداد ثقة الشعب بها بعد أن فقدتها لأسباب سياسية كثيرة، ولم تكن محاولة وطنية خالصة وإلا فهى محاولة تأخر وقتها كثيراً، حيث إن الوفد تولى الحكم ست مرات، كانت إحداها بمساعدة وتأييد البريطانيين فى عام 1942.