افتتحت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى، المنتدى الاقتصادى ل«المصرى اليوم»، أمس، تحت عنوان (جيل جديد من السياسات الاقتصادية)، الذى عقد بمشاركة البروفيسور جيفرى ساكس، والدكتور محمود محيى الدين، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية، ومحمد سلماوى، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «المصرى اليوم»، والمهندس صلاح دياب، مؤسس «المصرى اليوم». وشارك فى المؤتمر نُخبة من الاقتصاديين والمسؤولين من بينهم المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء الأسبق، وحسام هيبة، رئيس الهيئة العامة للاستثمار، والدكتور محمد معيط، وزير المالية السابق، والمهندس طارق الملا، وزير البترول السابق، ومنير فخرى عبدالنور، وزير الصناعة الأسبق، وغيرهم من أستاذة الاقتصاد والمتخصصين. وفى كلمتها أوضحت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى أن مشهد الاقتصاد العالمى يمر بتطورات وأزمات تتوالى على العالم، منذ عام 2020، حيث يعيش حاليًا أزمات مُعقدة ومتشابكة، قد تكون هى الأسوأ منذ عقودٍ مضت، تعانى منها بشكل خاص المنطقة، والدول النامية والأقل نموًا، بالإضافة إلى استمرار التوترات الجيوسياسية التى تؤثر على الرؤية المستقبلية، والتصنيف الائتمانى للدول فى المنطقة. ونوهت بأن العالم فى السنوات الأخيرة شهد سلسلة متتالية من الأزمات غير المسبوقة التى بدأت بتفشى جائحة كوفيد - 19، أحدثت ركوداً فى الاقتصاد العالمى، أعقبها تفاقم الأوضاع بفعل التوترات الجيوسياسية الإقليمية والدولية المتلاحقة، والتى أسهمت جميعها فيما شهده العالم من ارتفاع حاد فى معدلات التضخم، وتصاعد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التى صاحبته نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالمياً. وذكرت أن فجوات التنمية اتسعت بشكل كبير لدى الدول النامية والأقل نموًا، مما يستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة وشاملة ومبتكرة من أجل الحفاظ على مكتسبات التنمية، وضمان استقرار الاقتصاد الكلى لدى تلك الدول وحتى عام 2030، خاصة أن 17٪ فقط من تلك الأهداف يمضى فى مساره الصحيح - وأصبحت غالبية دول العالم عُرضة للصدمات بسبب الأزمات الدولية، بما فى ذلك أزمة المناخ التى يترتب عليها تداعيات اقتصادية واجتماعية ملموسة. وأكدت أن الشطر الأكبر من دول العالم بعيد عن مسار تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، فقد وصلت الفجوة التمويلية للدول النامية ما يقرب بين 2.5 - 4 تريليون دولار سنويًا (وفقاً لتقرير تمويل التنمية المستدامة لعام 2024 – الصادر عن الأممالمتحدة)، وهو ما أدى إلى زيادة أعباء الديون العامة وعدم الاستقرار المستمر للاقتصاد الكلى، وارتفاع تكلفة الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم. وأشارت إلى تلك الأزمات المتتالية فى تغيير سياسات التنمية على مستوى العالم، وتفاقم فجوات التنمية نتيجة إلى اتجاه العديد من الدول المتقدمة، وبعض التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية، لصياغة وتطبيق سياسات داعمة لمصالحها وتفرض قيودًا من شأنها استقطاب وتوجيه الحراك العالمى فى مسارات محددة – مثل «آلية تعديل حدود الكربون –للاتحاد الأوروبى»، و«قانون خفض التضخم – IRA للولايات المتحدةالأمريكية، وغيرهما. وأكدت أن فجوات التنمية تتيح فرصًا كبيرة للاستثمار وجذب تمويلات القطاع الخاص، وبالتالى تعد السياسات الاقتصادية الشاملة القائمة على التنافسية والشفافية والمشاركة بين الأطراف ذات الصلة من الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات التمويل الدولية ومؤسسات المجتمع المدنى، عاملاً رئيسيًا وهامًا للتغلب على تلك الفجوات. ولفتت إلى ضرورة إعادة النظر فى النموذج الاقتصادى السائد، بحيث يكون أكثر قدرة على التخفيف من حدة الفقر وضمان توجيه المزيد من الاستثمارات نحو القطاعات الحيوية، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى الدول النامية، وتمكينها من بناء اقتصاديات أقوى وأكثر استدامة. وقالت إن الأزمات المتتالية تسببت فى ارتفاع معدلات الديون إلى مستويات قياسية، وتفاقم التغيرات المناخية وسط انخفاض التمويل المطلوب لمواجهتها، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم العالمية، وتراجع معدلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فضلًا عن الأزمات فى سلاسل الإمداد. وأشارت إلى تقرير منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد) الصادر عام 2024 بأن نحو 3.3 مليار فرد (أى ما يقترب من نصف سكان العالم) يقيمون فى دول تتجاوز فيها مدفوعات الفائدة الإنفاق على التعليم والصحة مجتمعتين، وأن عدد الدول الإفريقية التى تتجاوز نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى فيها 60٪ ارتفع من 6 إلى 27 دولة بين عامى 2013 و2023. كما كشف تقرير الديون الدولية الصادر فى ديسمبر 2023، عن مجموعة البنك الدولى أن إنفاق البلدان النامية على خدمة الديون وصل إلى مستويات قياسية ناهزت 444 مليار دولار فى عام 2022، وبالتأكيد فإن هذا الإنفاق يأتى على حساب الموارد التى تحتاجها تلك الدول للاستثمار فى الصحة والتعليم والبنية التحتية، لا سيما التصدى للتغيرات المناخية. وشددت على أنه نتيجة لكل تلك الأزمات، فإنه من الأهمية بمكان تعزيز أصوات الدول النامية فى مؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف، وتنفيذ برامج خاصة بإعادة هيكلة الديون للدول النامية شاملة وطويلة الأجل، مثل برامج مبادلة الديون من أجل التنمية، وتعزيز الوصول إلى الحلول التمويلية المبتكرة، مثل التمويل المختلط، والسندات الخضراء، وغيرها. وفى ذات الوقت شددت على الحاجة إلى التوسع فى أدوات التمويل التنموى المبتكر، لضمان قدرة الدول النامية على التغلب على التحديات الاقتصادية والاجتماعية الحالية، وتمكينها من بناء اقتصاديات أكثر استدامة ومرونة أمام الصدمات المستقبلية، مشيرة إلى انعقاد مؤتمر التمويل من أجل التنمية الرابع المقرر عقده فى يوليو 2025 فى إسبانيا، للوقوف على الحلول المتكاملة لتعزيز كفاءة إدارة الدين العام للدول النامية والأقل نمواً، ومناقشة مستقبل حقوق السحب الخاصة (SDRs)، والناتج المحلى الإجمالى (GDP)، والدور المحورى للمؤسسات المالية الدولية وشركاء التنمية فى سياق برامج دعم الميزانية. وانتقلت للحديث حول الوضع فى مصر، مؤكدة أن مصر ليست بمعزل عن كل تلكّ المتغيرات والتحديات العالمية والإقليمية، لذلك شرعت الدولة المصرية فى تبنى نهج استباقى لمواجهة تلك الأزمات من منظور تنموى شامل عند التعامل مع مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وأشارت إلى تنفيذ برنامج وطنى للإصلاح الاقتصادى والهيكلى يستهدف اتخاذ تدابير وسياسات فاعلة داعمة للاستقرار الكُلّى، بالارتكاز على ثلاثة محاور رئيسية، يتمثل المحور الأول فى تعزيز صمود واستقرار الاقتصاد الكلى، والمحور الثانى فى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصرى وتحسين بيئة الأعمال فى حين يستهدف المحور الثالث للبرنامج دعم التحول الأخضر. كما أطلقت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى مؤخرًا إطار العمل الجديد، الذى يهدف إلى تحقيق النمو النوعى، والذى يقوم على ثلاثة محركات رئيسية، أولها الاعتماد على سياسات مدعومة بالأدلة والبيانات لتحديد وسد فجوات التنمية فى القطاعات، لزيادة الاستثمار فى رأس المال البشرى، ودعم التنمية الصناعية، وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز التكنولوجيا وريادة الأعمال، ودفع الاستثمارات الخضراء، والبنية التحتية المستدامة وغيرها. وأوضحت أن المحرك الثانى تعزيز صمود واستقرار الاقتصاد الكلى، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية لزيادة القدرة التنافسية وتحسين بيئة الأعمال ودعم مرونة السياسات المالية، والتحول إلى الاقتصاد الأخضر، والثالث حشد التمويلات المحلية والخارجية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال إطار وطنى متكامل للتمويل، يُعزز تخصيص الموارد للقطاعات ذات الأولوية، ويُحفز استثمارات القطاع الخاص، ويُسرّع وتيرة التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وأكدت أن الحكومة تمضى قدماً من خلال التنسيق المشترك، لضبط وحوكمة الإنفاق الاستثمارى، لإفساح المجال للقطاع الخاص فضلاً عن ضبط الأداء المالى للموازنة العامة للدولة، وإطلاق الحوافز الضريبية والاستثمارية، التى تجعل بيئة العمل مهيأة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتشجيع نمو القطاع الخاص، مضيفة أن 42٪ من الاستثمارات الحكومية بخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لقطاع التنمية البشرية، و37٪ منها للتنمية الصناعية، و21٪ للتنمية المحلية. وشددت على التنسيق التام بين المجموعة الوزارية الاقتصادية لمواجهة آثار التحديات الاقتصادية الإقليمية والدولية. وأشارت إلى إطلاق منصة «حافز» للدعم المالى والفنى للقطاع الخاص، تنفيذاً لتوصيات المؤتمر الاقتصادى المنعقد فى 2022، وفى إطار جهود الدولة للاستفادة من أفضل بدائل التمويل المبتكرة المتاحة من مؤسسات التمويل الدولية، وشركاء التنمية لتمكين القطاع الخاص، حيث تُعتبر منصة متكاملة تربط شركاء التنمية، والوكالات المنفذة، والحكومة، ومجتمع الأعمال المحلى، بهدف تعزيز التواصل والربط بين مختلف شركات القطاع الخاص سواء شركات كُبرى أو صغيرة ومتوسطة ومتناهية الصغر، أو شركات ناشئة، لتعظيم الاستفادة من التمويلات التنموية والدعم الفنى والاستشارات فى تحفيز دور القطاع الخاص لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.