«شنقت لك أمك، وماتت.. الله يرحمها».. هكذا زلزل «الحسينى.أ.م»، الشاب الثلاثيني، شقيقته «إيمان»، في اتصال هاتفي، عقب منتصف الليل، لتهرول إلى الشقة محل الجريمة بالمنيرة الغربية في إمبابة بالجيزة، قبل أن تُجرى اتصالات بجيرانها: «إلحقوا أخويا قتل أمي» ليفتح المتهم لأحدهم الباب بعد طرق مستمر، يحاول إبعاد الشبهة الجنائية عن نفسه بادئ الأمر: «ماما قالتلى عايزة تروح الجنة، وسقطت على الأرض»، لكنه لم يجد مفرًّا سوى الاعتراف أمام قوات الشرطة التي حضرت بكثافة: «مرضيتش تدينى فلوس، موتها بحزام لفيته حوالين رقبتها»، ووسط ترحم النّاس على المجنى عليها، قالوا إن المتهم كان مدمنًا لدواء شراب: «بيجيب منه بال10 أزايز وياخدهم». «بيفتش هدومي كلها» شاب في أوائل الثلاثينيات من العمر، ملتحٍ، وغير مهندم، يشترى سجائر «فرط» من صاحبة محل بقالة تُدعى «أم كرم».. هذا ما أظهرته كاميرات المراقبة التي وثقت اللحظات الأخيرة لظهور «الحسينى» قبل صعوده إلى شقته لشنق والدته، صاحبة ال73 عامًا، إذ تروى البائعة، شاهدة العيان: «مسافة ما طلع البيت، سمعت صراخ الجيران، الحقوا الواد قتل أمه». وتدمع عين «أم كرم» على مصير صديقتها، إنعام سيد متولي، فقبل ساعات من مقتلها على يد ابنها، حضرت إليها «العجوز» تروى لها فصلًا من مأساتها المتكررة مع الابن: «بيضربنى، وبيفتش هدومى كلها عشان يلاقى أي فلوس، حتى لو 20 جنيه يشترى بيها الدوا اللى أدمنه ده، وأنا مفيش حد معايا يدافع عنى، ولا يصونى، وبنتى التانية الوحيدة متجوزة، وعايشة بعيد عنى». حاولت الجارة أن تهدئ من روع «إنعام»، لكنها تراجعت وقالت لها: «خدى بالك من ولادك، لحسن يعمل فيكى حاجة»، وفق حديثها: «فعلًا موِّتها، زى ما قلبى كان حاسس بالضبط» لتحكى أنه منذ أيام تعدى «الحسينى» على أمه، ونزل بالأوانى، وباعها لإحدى السيدات بمبلغ زهيد: «مخلاش في شقة أمه ولا قشة إلا لما باعها عشان يشترى الدوا ده». «راحت الجنة» قاطنو الشقة الملاصقة ل«إنعام» كانوا يعدونها بمثابة إحدى أفراد أسرتهم، يقولون إنهم كثيرًا ما سامحوا ابنها لما كان يسرقهم لأنهم يعرفون أن «أمه مش حمل مرمطة، وتجرى وراه لو اتقبض عليه واتعمل له قضية»، فالابن- وفق رواياتهم تبدلت أحواله منذ وفاة أبيه قبل 13 عامًا، وأصبح يعيش برفقة والدته وحيدين: «كان بيصلى وملتزم زى أبوه، بطل وبقى يشرب سجاير، وعمره ما دخن أي ممنوعات زى الحشيش والكلام ده، بس واظب على شرب دوا مخصص للكحة والسعال درجة الإدمان». حين تلقت جارتهم اتصالًا من شقيقة «الحسينى» تخبرها بأنه «موِّت أمى»، طرقت الباب عليه، وصممت على أن يفتح لها: «شفت الحاجة إنعام مرمية على السرير وميتة، قلت لابنها: انت عملت فيها إيه؟، وصوت ولميت رجالة البيت كله عليه، وبعدين قالى: شنقتها بالحزام، بس قعد يغير كلامه كل شوية، فساعات كان يقولنا: وقعت لوحدها.. راحت الجنة.. جيت من برة ولقيتها روحها طلعت». «بتخبي مني الفلوس» وبحزن تروى الجارة أن المجنى عليها كانت برفقتها قبل دقائق من مقتلها: «قعدت معايا، وسابتنى عشان مصلتش العشا، وقالتلى هقعد استغفر ربنا شوية». ولم يكن لدى «الحسينى» أصدقاء يؤنسون وحدته، وعمله، «كهربائى»، تخلى عنه، وأصبح عاطلًا، ولم تطأ قدماه المساجد كما اعتادته الناس، يومه كله كان يقضيه بين 4 جدران مع أمه، ونزوله إلى الشارع يكون لشراء السجائر والدواء فحسب، وطلته من «البلكونة» كانت دائمًا ما تثير مخاوف الفتيات والسيدات، فإحداهن تقول: «كنت بحس إنه بيتجسس علينا»، وزوجها يقول: «زعقت له مرة قبل كده، خاف ودخل، وحط إيده على راسه وهو بيعتذر لى». في الصورة التي رسمها الناس عن الثلاثينى المتهم بقتل والدته، قالوا إن المُسِنّة كانت تتقاضى معاشًا بسيطًا من «تكافل وكرامة»، وتستطيع أن تعيش «برغيف عيش وحتة جبنة في اليوم»، ومع ذلك ابنها، حسب رواية جيرانها: «كان مش سايب لها القليل من المال». ولما حضرت «إيمان» إلى شقة أمها، طالعت أخاها يعترف أمام الشرطة: «موِّتّها شنقًا بالحزام، بتخبى منى الفلوس»، قبل محاولته مرات التنصل من جريمته: «وقعت على الأرض، وقالتلى: رايحة الجنة» لتصرخ ابنة المجنى عليها، وتعتدى على شقيقها: «مش عايزها كنت تسيبها لى». «إحنا في مصيبة» واكتفت ابنة المجنى عليها بالتعليق على أحداث الجريمة بقولها: «إحنا في مصيبة، أخويا دخل السجن، وأمى ماتت». النيابة العامة بدورها كلفت الطب الشرعى بتشريح جثمان «إنعام» للوقوف على أسباب الوفاة وكيفية حدوثها والأدوات المستخدمة في إحداثها، قبل أن تقرر حبس المتهم 4 أيام على ذمة التحقيقات.