حصول 19 مؤسسة تعليمية ب دمياط على شهادة جودة التعليم والاعتماد    ترامب: هاريس لا تحب الدولة الإسرائيلية وتميل لليهود وتكره الشعوب العربية    أول لقاء مع مطاوع أبو الخير بطل الألعاب البارالمبية حصد 4 ميداليات.. مباشر    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارتين ب«منشأة القناطر»    تفاصيل اندلاع حريق شقة الطوابق فيصل    هاريس تهاجم مشروع 2025: سيمنح ترامب سلطة قانونية غير مقيدة    عاجل - تعليق ناري من هاريس بعد انتهاء المناظرة الرئاسية ضد ترامب.. ماذا قالت؟    أسعار اللحوم والدواجن اليوم 11 سبتمبر    سجال بين ترامب ومنسق المناظرة الرئاسية بسبب قطط أوهايو.. اعرف التفاصيل    وصول طائرة المرشح الجمهوري ترامب إلى فيلادلفيا استعدادا لمناظرة هاريس    استشهاد فلسطينيين اثنين في طولكرم مع استئناف الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية في المدينة ومخيمها    أبرز تصريحات «وزير المالية» بغرفة التجارة الأمريكية    موعد مباراة منتخب مصر المقبلة والفريق المنافس    النصر بعترض على جدول مباريات الدوري السعودي بسبب لاعبيه الدوليين    حمادة عبد اللطيف: لست قلقًا على هجوم الزمالك    طلب مناظرة مع شيخ الأزهر، أول رد من إمام رمضان على إيقافه بسبب فتوى جواز سرقة الكهرباء    ننشر أسعار الذهب اليوم الأربعاء 11 سبتمبر في بداية التعاملات    بالأسماء| كلب ضال يعقر 10 أشخاص في الدقهلية    تامر حسني ينتهي من تصوير فيلم ريستارت ويعلن موعد طرحه    نور النبوي: مكنتش بحب أتقارن بأخويا التوأم    تدريب مكثف لمدرسات التمريض في دمياط على العناية بحالات الطوارئ    بث مباشر.. مناظرة بين كامالا هاريس ودونالد ترامب في فيلادلفيا    عاجل - ارتفاع درجات الحرارة.. آخر تحديثات الطقس اليوم الأربعاء    الانتخابات الأمريكية.. هاريس: إدارة بايدن اضطرت إلى تنظيف فوضى ترامب    "هنتحبس كلنا".. نهاد أبوالقمصان تنتقد مسودة قانون الإجراءات الجنائية الجديد    يتنازل ويجتهد لنجاح العلاقة.. تعرف على برج السرطان كزوج    محمود حميدة ومحي إسماعيل وخالد يوسف في العرض العراقي «تاء التأنيث ليست ساكنة»    بملابس فاضحة وخلخال.. أستاذ علم نفس: بعض المطربين يقدمون قدوة مهترئة تضرب الهوية    العلوم الاجتماعية والإنسانية عند الأمريكان    ملف يلا كورة.. فوز كاسح لمنتخب مصر.. 100 مباراة لصلاح.. وصفقة جديدة للزمالك    حبس سائق توك توك طعن سائق أتوبيس نقل عام بحدائق القبة    برج الدلو.. حظك اليوم الأربعاء 11 سبتمبر 2024: لا يفضل البدء في علاقة    وزير التعليم العالي يصدر قرارًا ببدء الدراسة بكليات جديدة بجامعة اللوتس (التفاصيل)    4 أخطاء شائعة تؤدي لانفجار الفرن الكهربائي.. امنعي وقوع كارثة في مطبخك    صحة البحيرة: الكشف على 1396 مواطن خلال قافلة طبية بأبو حمص    السجن 10 سنوات لمتهم بتهديد شقيقته بالقتل فى كفر الشيخ    لمدة أسبوعين.. حقيقة تأجيل الدراسة للمدارس والجامعات وتغيير الخريطة الزمنية للعام الجديد    وزير الثقافة الأسبق: أمريكا سعت لفرض المثلية الجنسية على مصر    تعادل مثير بين هولندا وألمانيا في دوري الأمم الأوروبية    أهداف مباراة ليبيا وبنين في تصفيات كأس أمم إفريقيا    محمود محي الدين: مصر واحة أمن في ظل توترات سياسية إقليمية.. والسياسة لا تنفصل عن الاقتصاد    محافظ جنوب سيناء يتابع أعمال تطوير ميناء شرم الشيخ البحري    لمواجهة ارتفاع الأسعار، شعبة السيارات تعلن انفراجة في عملية الاستيراد    ماجد المصري: محمد سامي من أخطر المخرجين    إذا كان الاحتفال بذكرى المولد النبوي عبادة فهل فعلها الرسول وأصحابه الكرام؟.. الإفتاء ترد    حلال أم حرام؟ حكم شراء سيارة أو شقة عن طريق البنك    نقيب الفلاحين يكشف أسباب انتشار ظاهرة البندقة في القطن    «لاشين»: مستمرون في الحملات المفاجئة وضبط 55 سيارات مخالفة لخطوط السير    مصرع طفلة إثر حادث مروري فى دمياط    طريقة عمل البندقية، من حلوى المولد اللذيذة والفاخرة    البابا تواضروس يصلي عشية عيد النيروز ويلتقي زوجات كهنة الإسكندرية    بينهم «زاهر» و«الشعشاعي».. تعرف على قراء التلاوات المجودة بإذاعة القرآن الكريم الأربعاء    يؤدي إلى الجلطات.. استشاري قلب يكشف عن أكبر مسبب لآلام الصدر    اعتماد 19 مؤسسة تعليمية بدمياط من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد    خالد الجندي: الشيخ رمضان عبد الرازق راجل متحضر ولا يرغم ابنته على شيئ    بيت الزكاة يستعد لأول حملات توزيع ملابس ومستلزمات على الطلبة الأيتام    وُلِدَ الهُدَى فَالكَائِنَاتُ ضِيَاءُ .. موضوع خطبة الجمعة القادمة    مواعيد مباريات الإثنين 11 سبتمبر - مصر الأولمبي.. وتصفيات يورو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متى يتوحش المتوحشون؟
نشر في المصري اليوم يوم 15 - 08 - 2024

يتغير الناس عبر مراحل الحياة، تُغيرهم الأهوال والتجارب والطموحات، يفاجئنا البعض بوجوه غير الوجوه، وقلوب غير القلوب، وأفعال لم نتوقعها. تصدمنا شرور خارج الحسبان، وتوجعنا سلوكيات تُجافى الأخلاق وتناقض القيم، وتتقارب مع الغابات وقاطنيها.
يبدو التغير الأغلب فى البشر تغيرًا سلبيًا ينقلب فيه كثير من الطيبين إلى أشرار. نُبصر شخوصا مسالمين، هادئين، يبتسمون، ثُم يدخلهم الله التجربة لتبين ذواتهم القاسية، فنرى السادية والتشفى فى أقصى درجاتها، لتغلب كل تصور، وتعلو كل ظن.
أقف كثيرا أمام سير بعض المشهورين بالقسوة الشديدة فى تاريخنا لأستبصر ما دفعهم للتحول اللإنسانى. سيرة حمزة البسيونى، الجلاد المخيف، أو ملك التعذيب زمن عبد الناصر كما يسميه البعض تستحق التوقف والتعمق. فى مذكرات فتحى رضوان، الوزير والمحامى والسياسى والمعنونة ب«72 شهرًا مع عبد الناصر» يقدم لنا الشاهد صورة غريبة عن الرجل الذى وصم عهد عبد الناصر كله بالقهر، لما حُكى عنه من صنوف تعذيب أذاقها لكل سجين سياسى مر أمامه.
يفاجئنا فتحى رضوان بمعرفته بحمزة البسيونى مبكرًا عندما كان طالبا فى كلية الحقوق، وقبل تحوله للكلية الحربية. يصفه صاحب المذكرات بأنه كان شابا جميل الطلعة، بسيط الهيئة، تغلب عليه ملامح الطيبة والسذاجة. وكان والده قاضيا شرعيًا، وسكن مع زميلين له فى الكلية، وكان مع أحدهما مسدس والده، وعبثا به فانطلقت رصاصة لتقتل زميله، فأخذه والده إلى مكتب فتحى رضوان المحامى ليدافع عنه، ففعل. وقتها لاحظ «رضوان» أن الطالب الشاب لطيف ومهذب وخجول، وعرف أنه وطنى ويسير فى المظاهرات المطالبة بالاستقلال، ثُم غاب عنه وغابت سيرته لسنوات طويلة.
قامت ثورة يوليو، تغيرت أحوال، وتبدلت ظروف، وصعد أناس، وانزوى آخرون، ووجد فتحى رضوان نفسه وزيرا للمواصلات، ولاحظ يوما على محطة القطار رجل ضخم الجثة ينظر إليه باهتمام، ويؤدى له التحية العسكرية بصرامة شديدة، فتفرس فى وجهه ليكتشف أنه الشاب الجميل الذى زاره مع والده منذ سنوات ليبرأه من جرم لم يقصده. سأله عن عمله، ففوجئ به يخبره أنه التحق بالحربية ثم تخرج ضابطا ويشرف على السجون الحربية.
فيما بعد وصلت حكايات الرعب المتواترة عن الرجل لفتحى رضوان، مثلما وصلت غيره. سمع الناس بشائع حيوان مفترس ليس فى قلبه ذرة رحمة تجاه إنسان.
يذكر على عشماوى فى شهادته على سجنه أن حمزة البسيونى مدير السجن الحربى كان يُدرب جلاديه على لسعة عجيبة يحترف أداءها ليصيب خصية الضحية بطرف السوط بمهارة فنان مُدرب.
وكما أورد محمد عبد السلام النائب العام الأسبق فى كتابه «سنوات عصيبة» حول شكاوى التعذيب المتنوعة التى تلقاها وهو نائب عام ضد البسيونى، فإن الرجل مثّل ظاهرة تستحق الدراسة، فلا أحد من قبل أو بعد وضع فنونا وشروطا وقواعد لفن تعذيب المتهمين مثلما فعل.
سأل فتحى رضوان نفسه عدة مرات كيف انقلب حمزة البسيونى إلى ذلك المارد المخيف الذى تقشعر منه الأبدان، والذى ابتكر صنوفا من التعذيب صارت دروسا للجلادين فى العالم؟ كيف تبدل صاحب الوجه الطفولى، والصوت الخفيض إلى هذا الغول المتوحش؟
الإجابة بسيطة وتتلخص فى كلمتين السلطة المطلقة. إن أردت إفساد إنسان امنحه سلطة دون حدود، فالإنسان أميل للقسوة، وهناك حيوان مُختبئ فى داخل كل إنسان، يتحرر متى فتحت أمامه السبل. يتوحش الإنسان – كل إنسان - إن علم أنه لا مُراجعة أو محاكمة لما يفعل. لذا فإن معظم المتوحشين السلطويين ينبتون فى بيئات لم تعرف يوما محاكمة مسؤول عن سوء سلطة منحت له.
هناك تجربة شهيرة تم تنفيذها سنة 1971 فى الولايات المتحدة عرفت بتجربة ستانفورد. تم الإعلان عن الحاجة لسبعين متطوعًا لبيان أثر السلطة المطلقة على البشر. تم تقسيم المتطوعين إلى فريقين متساويين، حراس ومساجين. واختير قبول جامعة ستانفورد لعمل سجن شكلى، ومنح الحراس الافتراضيين هراوات وأزياء عسكرية، وتم توجيههم للتحكم فى السجناء تحت باعتبار امتلاكهم السلطة المطلقة. وجاءت النتائج مذهلة حيث توالت الانتهاكات العنيفة من قبل الحراس تجاه السجناء الافتراضيين.
يقول ممدوح عدوان «إننا نعيش فى غابة، والمسافة بين الإنسان والوحش صغيرة لدرجة أن أيا منا يمكن أن يكون الضحية أو الجلاد».
والله أعلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.