لقب بالجلاد وملك التعذيب الحربي.. عذب الكثير من المعتقلين المصريين.. شخصية لا يعرفها الكثير من هذا الجيل.. سعى في الأرض فسادا دون خوف أو ردع من أحد.. لم يخف الله بل طغى وتكبر وعاند واستكبر.. عمل بعيدا عن الأضواء ومنظمات حقوق الإنسان.. رجل عندما يسمع اسمه المعتقلون يرددون هلاكا هلاكا.. إنه حمزة البسيوني ضابط السجن الحربي في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. حمزة البسيوني نشأته نشأ حمزة وسط عائلة البسيوني الشهيرة بمصر، وتخرج في الكلية الحربية وانضم إلى تنظيم الضباط الأحرار ليشارك في ثورة 23 يوليو 1952 وهو برتبة رائد. كُلف بإدارة السجن الحربي في عهد عبدالناصر قبل أن يطلق الرئيس محمد أنور السادات سراح المعتقلين، حيث كان ذلك السجن سيئ السمعة لما اشتهر به بالتعذيب الذي كان يمارس فيه ضد السياسيين المشكوك في ولائهم للنظام. وكان اسم حمزة، حسب روايات بعض السجناء، عنيفا يتفنن في ممارسة التعذيب ضد المعتقلين وقتل بعضهم، أشهرهم المُنظر سيد قطب.
سيد قطب اشتهر عنه قصة تقول أن المعتقلين والمعذَبين كانوا يقولون يا رب يا رب أثناء التعذيب، فكان يقول لهم: لو أتى ربكم هذا لوضعته معكم في السجن.. كما ذكر الكاتب الصحفي صلاح عيسى عن تجربته في السجن مع حمزة البسيوني. صلاح عيسى سجنه وبعد أيام من نكسة 67 صدرت قرارات تصفية رجال عبد الحكيم عامر في مصر وصدر قرار بإحالة البسيوني علي المعاش ثم القبض عليه والتحقيق معه فيما هو منسوب إليه من انحرافات، ووُضع مع بعض ضحاياه. البسيوني بعد الاعتقال وبقي "البسيوني" في السجن عامين، حيث ذكر الكاتب الصحفي صلاح عيسي والذي التقى حمزة البسيوني وهو مسجون في سجن القلعة قائلا:«"كان حمزة هو الشخصية الثانية البارزة التي رأيتها في سجن القلعة عندما عدت إليه للمرة الثانية في ربيع 1968 وكانت تهمتي هي المشاركة في مظاهرات طلاب الجامعة، كنت أتلصص كالعادة من ثقب زنزانتي رقم 3 بمعتقل القلعة وكان الزمن يوما من بداية صيف 1968 حيث شاهدت رجلا وقورا شعره أبيض كالثلج يتهادى في الممر في طريقه إلى مكاتب الإدارة وخلفه أحد المخبرين وكان الرجل يحاول أن يستشف ما وراء أبواب الزنازين المغلقة، وصاح المخبر فيه: بص قدامك يا سيد.. امتثل في رعب للأمر، وحث خطاه حين مر أمام زنزانتي فلم يتح لي وبعد ساعتين من الانتظار مر الرجل أمام باب زنزانتي, وكان واضحا أنه استدعى لكي يلتقي بزوار جاءوا لزيارته في السجن، إذ كان يحمل أكياسا من الفاكهة يقضم واحدة منها وخلفه المخبر يحمل حقائب وأكياسا متعددة.. في هذه المرة استطعت أن أتبين ملامحه لاكتشف أن له شاربا ناصع البياض مشذب بعناية وبمادة مقواة وكان ذلك كتيفا لكي يطمئن قلبي, لأن أبي لم يكن منذ شبابه يربي شاربه! . وتابع: فيما بعد رأيت الرجل العجوز كثيرا ذات ظهيرة انتهز فرصة مروره أمام زنزانتي, متقدما عن المخبر الذي كان مرتبكا لثقل ما يحمله من أمتعة, ليقول لي بصوت هامس: أنا اللواء حمزة البسيوني.. إنت مين؟ وقبل أن أفيق من دهشتي، دهمنا صوت المخبر, وهو يصيح فيه: وبعدين.. امشي من سكات, فإذا به لذهولي الشديد يستجيب للإنذار بخوف، وهو يحاول أن يترضي المخبر بكلمات نفاق! بطريقة الفوتو مونتاج في الأفلام السينمائية تتابعت على شاشة رأسي صور خاطفة لمشاهد مما سمعته من المعتقلين عما فعله بهم حمزة البسيوني, سياط تمزق جلودا وصفعات تصافح أصداغا وقبضات تعوج أفكاكا, وأجسادا تسحل بحبال خشنة على أرض صخرية, أو تسحب رجال من "خصيِّهم"، يا ألطاف الله الخفية، أهذا الرجل ذو الوجه الطفولي البريء الذي أحببته واعتبره صورة من أبي هو اللواء (حمزة كينج كونج) الذي يزدحم ملفه بكل تلك المشاهد التي لا يتحمل أي إنسان مجرد رؤيتها، فكيف تحملها الذي أوقعت به، وكيف استطاع الذي فعلها أن يفعلها، ثم أين ذهبت هذه القسوة؟ والرجل الذي كان إلى شهور قليلة مديرا للسجون الحربية، ما كاد يتحول إلى سجين، حتى أصبح كالفأر المذعور، لا يستطيع أن يعامل مخبرا صغيرا, كان على قمة الهرم الذي يجلس إليه مئات من أمثاله في سطحه إلا بذلك القدر الكبير من التذلل والضعف." وبعد خروجه من السجن ظل حمزة البسيوني غائبا عن الأضواء. وفاته نهاية حديدية مؤلمة طالت البسيوني الذي كان يقول للمعتقلين "ربنا لو نزل هحطه في سجن إنفرادي وهكلبشه بالحديد"، حيث كان يعذب العلماء والدعاة في السجون وعندما كان يسمع أحدهم يقول يا رب كان يقول له "هات ربك وأنا أحطه في الحديد.. لذا كانت نهايته الحديد". نهاية البسيوني وفي يوم 19 نوفمبر عام 1971 وكان موافقا لأول أيام عيد الفطر المبارك حيث كان حمزة مسافرا من الإسكندرية إلى القاهرة ومعه شقيقه راكبا إلى جواره واصطدمت سيارته بإحدى السيارات المحملة بحديد مبان ومات حمزة وشقيقه وتعرضت جثته لتشويه غريب نتيجة دخول عدد من الأسياخ الحديد فيها. وينقل لنا الكاتب ثروت الخرباوي عن المستشار خيري يوسف أحد المحققين في الحادثة وقتها والذي أصبح فيما بعد رئيسا محكمة الاستئناف السابق، حيث ذكر قائلا: كانت حادثة مروعة.. وكنت وقتها رئيسا لنيابة إحدى النيابات في محكمة كلية.. وخرجنا أنا وزميل لي في مهمة قضائية لمعاينة الحادث ومناظرة الجثة. الكاتب ثروت الخرباوي وتابع قائلا: دلت المعاينة وشهادة الشهود على أن سائق السيارة القتيل كان يقود سيارته بسرعة غريبة.. وكانت أمامه سيارة نقل مُحملة بأسياخ الحديد التي تتدلى من مؤخرة السيارة، ودون أن يتنبه السائق استمر في سرعته حتى اصطدم بالسيارة النقل، وحينها اخترقت أسياخ الحديد (ناصية) القتيل ومزقت رقبته، وقسمت جانبه الأيمن حتى انفصل كتفه عن باقي جسده، وقتها (لم أستطع مناظرة الجثة فقد وقعت في إغماء من هول المنظر وقام زميلي باستكمال مناظرة الجثة). إنه حمزة البسيوني مدير السجن الحربي الذي كانت فرائص مصر كلها ترتعد من مجرد ذكر اسمه.. حيث كان يقول عن نفسه، أنا إله السجن الحربي ..أنا القانون والدولة والقاضي والجلاد.. والذي كان يقول للمعتقلين "أنا الذي لا أستلم المساجين بإيصال.. ولا يعلم أحد عددهم عندي.. وأستطيع أن أقتل منكم كل يوم مائة كلب ولا يحاسبني أحد، الذي كان عندما يسمع أحد البائسين المنكوبين يصرخ من وطأة التعذيب: "إنت فين يا رب" ؟.. فيقول له :"ربنا في الزنزانة اللي جنبك".