كتبت عن العلاقات المصرية- الصومالية، ولم يكن لى أن أكتب كلامًا يصلح للقراءة، إذ الصلاحية فى هذا المضمار مرتبطة باحترام عقل القارئ، واحترام صدق المعلومات الواردة، إلا بالاعتماد على علوم الجغرافيا والتاريخ والعلاقات الدولية، ومن ثم انعطفت فى ذلك المقال إلى ما أسميته اللغو الهذيانى المُطالب بإلغاء تدريس المواد الاجتماعية والعلوم الإنسانية، بدعوى أنها لا تناسب احتياجات سوق العمل. وأستكمل اليوم الحديث عن مكانة العلوم الاجتماعية والإنسانية، وقدرها الرفيع عند آخرين ممن لم يبتلهم قدرهم بوجود عباقرة أفذاذ مثلما ابتلينا. وبداية الكلام أننى دُعيت للمشاركة فى ندوة عن العلاقات الغربية الإسلامية، أقامتها كلية اللاهوت فى جامعة ييل الأمريكية، بمقرها فى مدينة نيوهيفين بولاية كونيتيكت، وفى السفر تعرفت على الدكتور إبراهيم أبوالعيش، رحمة الله عليه، الذى كان مدعوًا أيضًا، ومعنا الأستاذ المفكر نبيل عبدالفتاح، والدكتور محسن يوسف، مستشار مكتبة الإسكندرية، رحمه الله، والتقينا السفيرة سلامة شاكر، السفيرة السابقة لمصر فى كندا، وبآخرين... وهبطنا مطار نيويورك وفى جامعة ييل دارت جلسات الندوة شديدة الجدية والأهمية، ولن أسهب فى ذلك لأن هدفى هو حكاية الجغرافيا والتاريخ والفلسفة والمنطق وغيرها من العلوم التى رأى الجهابذة إلغاء تدريسها. لقد تأسست جامعة ييل عام 1701، وافتتحت كلياتها وأقسامها التى منها قسم العلوم الاجتماعية، الذى يشمل: الدراسات الإفريقية الأمريكية، وعلم الإنسان، وعلم الآثار، وعلم دراسات شرق آسيا، وعلم الاقتصاد، وعلم الدراسات الأوروبية والروسية، وعلم الشؤون الدولية، وعلم الدراسات الأمريكية اللاتينية، والحقوق، وعلم اللغويات، وعلم إدارة المعلومات وعلم دراسات الشرق الأوسط الحديثة، والعلوم السياسية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم دراسات جنوب آسيا. ثم يأتى قسم آخر هو قسم العلوم الإنسانية فى جامعة ييل، وفيه: الدراسات الإفريقية، والدراسات الأمريكية، والأدب، ودراسات قديمة، وأدب مقارن، ولغات شرق آسيا وآدابها، ولغة إنجليزية وآدابها، ولغة فرنسية وآدابها، وأفلام ووسائل إعلام، ولغة ألمانية وآدابها، وعلم التاريخ، وعلم تاريخ الفن، واللغة الإيطالية وآدابها، والموسيقى، وعلم الفلسفة، والدراسات الدينية، ودراسات عصر النهضة، ولغات سلافية وآدابها، ولغة إسبانية وآدابها، ولغة برتغالية وآدابها، والدراسات المسرحية... وغيرها. وللعلم فقد افتتحت كلية اللاهوت هناك عام 1822، وكلية الحقوق عام 1824، وكلية الفنون عام 1869، وكلية الموسيقى عام 1892، وكلية الغابات والبيئة عام 1900، ثم إن الأجدر بالذكر هو افتتاح قسم للغة العربية وآدابها عام 1841، ثم إن أجدر الأمور بالذكر هو أن من خريجى تلك الجامعة الرؤساء: ويليام هوارد تافت، وجيرالد فورد، وجورج بوش، وبيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، ورئيس الفلبين خوسيه لوريل، ورئيس الوزراء الإيطالى ماريو مونتى، وتطول القائمة بآخرين من الرؤساء ورؤساء الوزارات والوزراء وأعضاء كونجرس وممثلين ومخرجين وكتاب مسرحيين وغير ذلك من مختلف التخصصات. وفى نيوهيفين، وفيما تدور المناقشات بكلية اللاهوت حول أسباب ومظاهر تعقد العلاقات الغربية الأوروبية والأمريكية مع مثيلتها الإسلامية؛ كان الدكتور إبراهيم أبوالعيش يتساءل حول: لماذا لا نعقد عندنا مثل هذه الندوات لترعاها كليات مناظرة لكلية اللاهوت الأمريكية؟ ثم استأنفنا الحوار بعد أن عدنا إلى مصر ليسألنى عن السر من وراء أن معظم، إن لم يكن كل، قادة ورموز الاتجاهات السياسية الإسلامية من خريجى الكليات العملية، كالطب والهندسة والعلوم وما يماثلها، ويندر أن تجد فيهم أحدًا خريج كليات من التى تسمى الكليات النظرية؟ وجاءت إجابتى عن السؤال واضحة نظريًا وعمليًا وهذا ما سأفصله فى مقال مُقبل.