وزير التعليم العالي يصدر قرارًا ببدء الدراسة بكليات جديدة بجامعة اللوتس (التفاصيل)    سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 11-9-2024 مع بداية التعاملات    الانتخابات الأمريكية.. بايدن: هاريس هادئة ومتماسكة قبل مناظرة ترامب    الأزهر مستنكرًا مجزرة المواصى: جريمة نكراء فى ظل غيبوبة أصابت ضمير العالم    انهيار سد في نيجيريا يخلف كارثة وتحذيرات من فيضانات مدمرة    بايدن: واشنطن تدرس السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأمريكية لضرب روسيا    قوات الاحتلال تقتحم مدينة نابلس ومخيم نور شمس بالضفة الغربية    بالزعاريد والمزمار جمهور مصر يستقبل أبطال البعثة البارالمبية    محمد عبد الله: صفقات الزمالك قوية.. وهذا ما يجب تدعيمه قبل بداية الموسم    بالأسماء.. كلب ضال يعقر 10 أشخاص في ميت الفرماوي بالدقهلية    شديد الحرارة.. الأرصاد تُحذر المواطنين من طقس اليوم الأربعاء    مصرع وإصابة 19 في حادث تصادم بملوي جنوب المنيا    رسميًا موقع نتيجة الثانوية العامة 2024 الدور الثاني برقم الجلوس (رابط مباشر)    ختامه مسك.. «تاء التانيث ليست ساكنة» يختتم عروض المهرجان التجريبي بنجاح باهر    صحة البحيرة: الكشف على 1396 مواطن خلال قافلة طبية بأبو حمص    هل يحضر بايدن مناظرة ترامب وهاريس؟ البيت الأبيض يجيب ويلمح لذكرى حزينة    عمرو خليل: الدعم الأمريكي لإسرائيل لن يتوقف    لمواجهة ارتفاع الأسعار، شعبة السيارات تعلن انفراجة في عملية الاستيراد    نقيب الفلاحين يكشف أسباب انتشار ظاهرة البندقة في القطن    الرأس الأخضر تؤكد صدارة مصر للمجموعة الثالثة في تصفيات أمم أفريقيا    حسام حسن يعلق على فوز منتخب مصر على بوتسوانا    ملف رياضة مصراوي.. عقوبة جديدة على الزمالك.. عودة كهربا للتدريبات.. رباعية منتخب مصر    تعادل مثير بين هولندا وألمانيا في دوري الأمم الأوروبية    أهداف مباراة ليبيا وبنين في تصفيات كأس أمم إفريقيا    «لاشين»: مستمرون في الحملات المفاجئة وضبط 55 سيارات مخالفة لخطوط السير    وزير الثقافة الأسبق: أمريكا سعت لفرض المثلية الجنسية على مصر    محمود محي الدين: مصر واحة أمن في ظل توترات سياسية إقليمية.. والسياسة لا تنفصل عن الاقتصاد    محافظ جنوب سيناء يتابع أعمال تطوير ميناء شرم الشيخ البحري    مصرع طفلة إثر حادث مروري فى دمياط    السجن 10 سنوات لمتهم بتهديد شقيقته بالقتل فى كفر الشيخ    المعمل الجنائي يعاين حريق شقة في برج سكني بفيصل    لمدة أسبوعين.. حقيقة تأجيل الدراسة للمدارس والجامعات وتغيير الخريطة الزمنية للعام الجديد    الاكتتاب في السندات الثلاثية الأمريكية فوق المتوسط    تجنب المشاعر السلبية حول غياب أصدقائك.. برج القوس اليوم الأربعاء 11 سبتمبر    عزاء الفنان حلمي التوني: حضور واسع من الأدباء والمثقفين والفنانين في وداع التشكيلي الراحل    عصام عجاج : النقابة لا يشرفها أن يكون محامي المساكنة عضوًا فيها    أستاذ علم نفس يُحذر من اللاجئين: المجتمع لم يُصبح مصريًا خالصًا    وعد البحري تخوض مغامرة في أدغال أفريقيا بكليب «صاحب السعادة»    ماجد المصري: محمد سامي من أخطر المخرجين    إذا كان الاحتفال بذكرى المولد النبوي عبادة فهل فعلها الرسول وأصحابه الكرام؟.. الإفتاء ترد    حلال أم حرام؟ حكم شراء سيارة أو شقة عن طريق البنك    أخبار سارة وبداية جديدة.. تفاصيل اجتماع رئيس الوزراء مع وزير المالية    طريقة عمل البندقية، من حلوى المولد اللذيذة والفاخرة    ضياء رشوان: إسرائيل قصفت مواصي خان يونس بقنابل تكاد تكون أسلحة دمار شامل    بينهم «زاهر» و«الشعشاعي».. تعرف على قراء التلاوات المجودة بإذاعة القرآن الكريم الأربعاء    البابا تواضروس يصلي عشية عيد النيروز ويلتقي زوجات كهنة الإسكندرية    يؤدي إلى الجلطات.. استشاري قلب يكشف عن أكبر مسبب لآلام الصدر    اعتماد 19 مؤسسة تعليمية بدمياط من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى ميت غمر المركزي (صور)    الآن تنسيق المرحلة الثالثة 2024 لطلبة الدور الثاني للثانوية العامة 2024    رئيس منطقة الإسكندرية الأزهرية يعقد اجتماعًا لمناقشة دور الوعاظ في دعم العملية التعليمية    العاصمة الإدارية: حرصنا على تعريف طلاب المناطق الحضارية بإنجازات الدولة وجودة الحياة    خالد الجندي: الشيخ رمضان عبد الرازق راجل متحضر ولا يرغم ابنته على شيئ    وُلِدَ الهُدَى فَالكَائِنَاتُ ضِيَاءُ .. موضوع خطبة الجمعة القادمة    بيت الزكاة يستعد لأول حملات توزيع ملابس ومستلزمات على الطلبة الأيتام    رئيس الوزراء يستعرض مخططا لتطوير مستشفيات قصر العينى.. زيادة المساحة ل 280 ألف متر مربع.. تقليل مدة إقامة المريض بالغرفة.. العمل بنظام الفترات التبادلية لغرف العمليات.. ومدبولى: مشروع كبير لتطوير "عين شمس"    من هو «السفير تميم خلاف» المتحدث الرسمي الجديد لوزارة الخارجية والهجرة؟    مواعيد مباريات الإثنين 11 سبتمبر - مصر الأولمبي.. وتصفيات يورو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود قاسم يكتب: المشهد الأخير.. وقائع وتداعيات السقوط السريع ل«سيدة بنجلاديش الحديدية»
نشر في المصري اليوم يوم 14 - 08 - 2024

أطاحت احتجاجات «الكوتا» التى اندلعت، فى مطلع يوليو 2024، بحكم الشيخة حسينة واجد، الذى استمر لنحو 15 عامًا متتالية. ولم يتوقع كثيرون هذا السقوط السريع الذى تعرضت له رئيسة الوزراء، التى طالما وُصِفَت بأنها «سيدة آسيا الحديدية» ومن أكثر رؤساء الوزراء فى العالم بقاءً فى منصبها؛ فأكثر التقديرات المتفائلة كانت تعتقد أن الاحتجاجات الحالية قد تُجبِر الشيخة حسينة على إجراء بعض الإصلاحات السياسية، إلا أن ما جرى خلال الأسابيع الماضية غيَّر معادلة سياسية ظلت ثابتة فى بنجلاديش قرابة ثلاثة عقود.
وبالطبع سوف تكون هناك تداعيات قادمة للمشهد الدراماتيكى لاستقلال الشيخة حسينة وشقيقتها، يوم 5 أغسطس، مروحية عسكرية متوجهة إلى الهند؛ وإعلان قائد الجيش الجنرال واقر الزمان، استقالتها وطمأنته المحتجين على أن النظام سوف يعود لطبيعته، ولقائه مع قادة أحزاب سياسية ونشطاء مدنيين؛ سواءً على صعيد الإعداد لخارطة طريق للمرحلة الانتقالية، أم على مستوى التوازنات السياسية التى سادت بنجلاديش لعقود خلت، أم على مستوى نظام وهيكل الحكم فى السنوات المقبلة.
تحولات المشهد الأخير
أظهر خروج الشيخة حسينة من المشهد السياسى مدى الهشاشة والضعف الكامن وراء مظاهر القوة التى سعت الشيخة إلى ترسيخها خلال العقود الماضية؛ بل وأظهر تفاعُل الحكومة ورئيسة الوزراء خلال الشهر الماضى أن فائض القوة الذى كانت تشعر به اصطدم بهذا الحراك الشبابى، الذى قاد أعنف احتجاجات فى مسيرتها السياسية. فى هذا الإطار، هناك عدة عوامل أدت إلى هذا السقوط السريع، من أبرزها ما يلى:
1 - تحول الحراك الطلابى إلى حركة جماهيرية: كانت الاحتجاجات ضد نظام الحصص الوظيفية فى بنجلاديش أشبه بكرة الثلج التى تضخمت وتطورت بصورة سريعة؛ إذ اتسع نطاقها الجغرافى وأعداد المشاركين فيها، فبعدما كانت مقصورة على طلاب الجامعات؛ نجحت فى استقطاب كافة فئات المجتمع، ومنها المهنيون ومنظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية. كما ارتفع سقف مطالب المحتجين، فعلى الرغم من إعلان الحكومة، يوم 21 يوليو، إعادة النظر فى توزيع حصص الوظائف الحكومية وتقليص النسب المحددة لفئة أبناء «المقاتلين من أجل الحرية» فى حرب الاستقلال؛ فإن ذلك لم يكن كافيًا أو مقنعًا بالنسبة لقادة الحراك الطلابى، الذين اعتبروا أن قرار المحكمة العليا لا يضمن عدم عودة الحكومة إلى طرحه مره أخرى، وعليه استمرت الاحتجاجات فى الميادين.
وبمرور الوقت، قدَّم قادة الحراك مجموعة من المطالب من بينها: قيام رئيسة الوزراء بالاعتذار العلنى للمواطنين، ورَفْع حَظْر التجول، والمطالبة باستقالة وزير الداخلية، وتوفير الضمانات التى تمنع تعرُض المتظاهرين للمضايقات الأكاديمية أو الإدارية. وقد مَنَحَ الطلاب الحكومة مهلة للاستجابة لهذه المطالب، وعلقوا الاحتجاجات مؤقتًا؛ ولكن مع استمرار تعنُّت الحكومة وعدم تنفيذ هذه المطالب، تحولت الاحتجاجات إلى مواجهة أكبر مع النظام، وتمكَّن الحراك من تعبئة الرأى العام وحَشْد الجماهير ضد النظام الحاكم بصورة لم تكن متوقعة.
2 - استخدام تحويلات البنغاليين فى الخارج كسلاح ضغط: دفع استمرار الاحتجاجات مؤيدى الحراك الطلابى للتفكير فى التحويلات المالية التى يرسلها المواطنون البنغال فى الخارج كأحد الأسلحة التى يُمكِن توظيفها للضغط على الحكومة، فمن خلال وسائل التواصل الاجتماعى، دعا المنظمون 10 ملايين بنغالى يعملون فى الخارج إلى تجميد تدفُق التحويلات المالية التى تُقدَّر بنحو 2 مليار دولار شهريًا؛ وردت الحكومة على ذلك بحَثِّ المغتربين على مواصلة إرسال الأموال إلى الوطن، وبتوجيه البنوك إلى رَفْع سعر الدولار الأمريكى للتحويلات الواردة.
وربما فرضت هذه الدعوة من قادة الاحتجاجات مزيدًا من القيود على الحكومة، خاصة وأن تحويلات البنغال فى الخارج تُعد من مصادر الدخل الرئيسية؛ ويعنى انخفاضها مزيدًا من تفاقم الأزمات الاقتصادية التى تأثرت بفعل إغلاق العديد من المصانع والشركات، وتراجُع الإنتاجية فى قطاع الملابس، الذى تضرر بصورة غير مسبوقة بفعل حظر التجول الذى فرضته الحكومة.
3 – التركيز على إسقاط النظام والدعوة لعصيان مدنى: مع اتساع الفجوة بين الحكومة والحراك الطلابي؛ نظرًا لاعتبار الحكومة أنها قامت بتلبية مطالبه عن طريق إعادة النظر فى نظام الحصص الوظيفية، فى مقابل رفض المحتجين هذا الأمر؛ بدا أن هناك انفصالًا تامًا بين الجانبين؛ لتنتقل مطالب قادة الاحتجاج الطلابى، وتحديدًا يوم 3 أغسطس، إلى إسقاط الشيخة حسينة وإبعادها عن المشهد. وحينها بدأت الشيخة حسينة تكون أكثر مرونة وانفتاحًا وتواصلًا مع قادة الحراك، فتنازلت عن اتهامهم بأنهم مدفوعون بأجندات سياسية وبمؤامرات لإسقاطها؛ ولكن رفض قادة الحراك دعوة الشيخة حسينة غير المشروطة للحوار، ودعوا إلى عصيان مدنى شامل، وطالبوا المواطنين بعدم دَفْع الضرائب وفواتير الماء والكهرباء والخدمات، وبتنفيذ إضرابات عامة من جانب موظفى القطاع العام والعاملين فى قطاع مصانع الملابس؛ الأمر الذى من شأنه أن يصيب البلاد بشلل تام.
4 – استخدام القوة المفرطة والعنف: دخلت بنجلاديش فى حالة غير مسبوقة من العنف، يوم 4 أغسطس، فيما أُطلِقَ عليه «الأحد الدامي»؛ إذ قُتِلَ 93 شخصًا على الأقل، بينهم 14 ضابط شرطة، وأُصيب مئات آخرون، فى اشتباكات هى الأعنف منذ اندلاع الاحتجاجات فى مطلع شهر يوليو؛ وهو ما شكل نقطة تحوُّل فى مسار الشيخة حسينة؛ نظرًا لعدة عوامل منها ما هو ظاهر مثل: إصرار الحكومة على مواجهة التصعيد بتصعيد مضاد فى أول أيام تنفيذ العصيان المدنى، وزيادة أعداد الضحايا والقتلى إلى أكثر من 300 فرد منذ بداية الاحتجاجات؛ ومنها ما هو كامن، ويتمثل بشكل أساسى فى تخوُّف الجيش من أن تتسبب هذه الأحداث فى نَشْر الفوضى والعنف، وربما أسهمت الضغوط الخارجية كذلك فى شعور الشيخة حسينة بأنها محاصرة على كافة الجبهات.
ما بعد الشيخة حسينة
فتحت استقالة الشيخة حسينة الباب أمام عدد من التساؤلات، يرتبط بعضها بالشيخة ذاتها، ومستقبل الحراك الطلابى، وطبيعة التفاعلات السياسية القادمة، والأدوار المُحتمَلَة لعدد من القوى والأحزاب السياسية، وهو ما يمكن الوقوف عليه على النحو التالى:
1 – احتمال نهاية الصراع بين عائلتى مجيب وضياء على السلطة: يُمكِن أن تكتب نهاية حُكم الشيخة حسينة بداية جديدة للنظام السياسى فى بنجلاديش بعيدًا عن هذا الصراع العائلى بينها وبين الشيخة خالدة ضياء رئيسة الوزراء السابقة، فلم تعرف بنجلاديش رئيس وزراء منذ عام 1991 إلا بين السيدتين القويتين؛ وهو أمر له خلفيات تاريخية تعود إلى تاريخ تأسيس بنجلاديش فى عام 1971 عقب انفصالها عن باكستان؛ إذ سيطر على الحياة السياسية حزبان رئيسيان وعائلتان سياستان، فقد ارتبط حزب رابطة عوامى بالشيخ مجيب الرحمن، زعيم الاستقلال ومؤسس الدولة، والذى حكم البلاد منذ عام 1971 حتى اغتياله فى عام 1975، فى حين ارتبط الحزب الوطنى البنغالى بالجنرال ضياء الرحمن، الذى تولى زمام الأمور منذ عام 1977 حتى عام 1981.
ومنذ الإطاحة بالحكم العسكرى فى بنجلاديش وتنحية الجنرال محمد حسين إرشاد، فى عام 1991، تناوب على حكم البلاد الشيخة حسينة الابنة الأكبر للشيخ مجيب الرحمن، وخالدة ضياء زوجة الجنرال ضياء الرحمن، فحكمت الأخيرة البلاد لنحو 10 أعوام على فترتين مختلفتين، بينما حكمت الشيخة حسينة أكثر من 20 عامًا من بينها 15 عامًا متتالية. وخلال تلك الفترة تمتعت عائلتا ضياء ومجيب بنفوذ سياسى كبير، فمثلًا كان محمد ظل الرحمن، عم الشيخة حسينة رئيسًا لبنجلاديش (2009 – 2013)، وتولى ابنها منصب مستشار رئيس الوزراء، وكان يتم تأهيله لرئاسة الحكومة بعد الشيخة حسينة.
بناءً على ذلك، ربما يفتح التحول السياسى الذى تشهده بنجلاديش حاليًا الطريق أمام ظهور وجوه سياسية جديدة؛ ما يؤدى إلى درجة من درجات دوران النخبة أو على أقل تقدير خَلْق نخبة جديدة غير تلك التى تحكمت فى مجريات الأمور طيلة العقود الماضية.
2 - الإشكاليات المرتبطة بترتيبات المرحلة الانتقالية: مع إعلان استقالة الشيخة حسينة، دخلت بنجلاديش فى مرحلة انتقالية جديدة؛ إذ اتخذ الجيش مجموعة من الإجراءات السريعة؛ بهدف طمأنة الحراك الطلابى والعمل على استعادة الهدوء، من بينها: الإعلان عن ضرورة تشكيل حكومة مؤقتة فى أسرع وقت، وحل البرلمان، ورَفْع حظر التجول، بالإضافة إلى الإفراج عن رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة المعارضة خالدة ضياء، وكذلك الأشخاص الذين اعتُقِلُوا خلال الاحتجاجات، والإعلان عن إطلاق سراح جميع السجناء، بما فى ذلك المعتقلين من الحركة الطلابية المناهضة للتمييز.
وعلى الرغم من حالة التفاؤل والاحتفاء بسقوط الشيخة حسينة؛ فإن هناك مخاوف كبيرة بشأن ترتيبات ما بعد المشهد الأخير. على سبيل المثال، تُثار شكوكٌ كبيرة حول عملية انتقال السلطة، وما إذا كان بإمكان الجيش أن يساعد على انتقال سلس للسلطة، أم أنه سيضع نفسه طرفًا مركزيًا فى المعادلة؟ هذه المخاوف ترتبط بالتاريخ السياسى لبنجلاديش؛ إذ شهدت منذ عام 1975 حتى عام 2011، ما لا يقل عن 29 انقلابًا عسكريًا، كما حكم العسكريون البلاد نحو 14 عامًا من تاريخها. وفى هذا الإطار، يُمكِن فَهْم لماذا أعلن قادة الحراك الطلابى أنهم لن يدعموا أى شكل من أشكال الحكم بخلاف الحكومة التى يدعمها الطلاب، وقالوا إنهم لن يقبلوا بحكومة يدعمها الجيش أو حكومة رئاسية مع حالة الطوارئ. ومع ذلك، تُظهِر الملامح الأولية أن قائد الجيش والرئيس البنغالى أداروا مشهد ما بعد استقالة رئيسة الوزراء وفقًا لقواعد الدستور؛ ما قد يعنى ضمنيًا عدم وجود رغبة فى الخروج عن القواعد الدستورية المنظمة لترتيب انتقال السلطة.
ويرتبط بذلك إشكالية أخرى تتعلق بشكل وطبيعة الحكومة المؤقتة التى يسعى الحراك الشبابى لتشكيلها، فقد تم الاستقرار على الدكتور محمد يونس، الخبير الاقتصادى والحائز على جائزة نوبل، لتولى رئاسة الحكومة الجديدة، والتى من المُقرَّر الإعلان عن تشكيلها يوم 8 أغسطس. ورغم ذلك تظل معضلة التوافق بشأن المرشحين للحكومة قائمة، وكذلك بشأن توزيع الحصص والحقائب الوزارية، والأوزان النسبية المختلفة لكل طرف. كما يتمثل التحدى الأكبر فى احتمال إطالة أمد المرحلة الانتقالية، فوفقًا للدستور يجب أن تُجرَى الانتخابات فى غضون 90 يومًا من حل البرلمان، وهو ما سيكون محلًا للاختبار خلال الفترة المقبلة، والتى ستكشف عن مدى قدرة الحكومة المؤقتة على إدارة المرحلة الانتقالية، وصولًا للانتخابات، ولكن فى ظل حالة الاستقطاب السياسى الحاد الذى تشهده البلاد، وتراجُع فعالية الأحزاب السياسية؛ فربما تصطدم أية ترتيبات مستقبلية بدرجة ما من الخلاف وعدم التوافق؛ الأمر الذى قد يؤدى إلى دخول بنجلاديش فى مرحلة انتقالية مفتوحة.
3 - مخاوف محدودة من الفوضى: فى أعقاب استقالة الشيخة حسينة، أظهرت مجموعة من المشاهد قيام محتجين بتنفيذ هجمات على مبانٍ حكومية وحَرْق مقرات الحزب الحاكم، وتدمير أصول الدولة والممتلكات العامة؛ الأمر الذى يطرح تساؤلات حول حدود الفوضى وغياب النظام الذى يُمكِن أن يُصاحِبَ المرحلة الانتقالية، فى ضوء حالة الاستقطاب السياسى، وربما الرغبة فى الانتقام السياسى من أنصار النظام السابق من قوى أخرى، خاصةً من تيارات الإسلام السياسى.
أيضًا، ارتبط المشهد الأخير باحتمال تنفيذ أعمال عنف ضد الأقليات؛ إذ قال مجلس الاتحاد الهندوسى، إن مئات المنازل والشركات والمعابد الهندوسية تعرضت للتخريب منذ الإطاحة برئيسة الوزراء؛ إذ تم تخريب ما بين 200 إلى 300 منزل وشركة أغلبها هندوسية، كما لحقت أضرار بنحو 20 معبدًا. وربما قد تُضاعف حالة الفوضى هذه، التحديات التى يُمكِن أن تواجه المرحلة الانتقالية؛ ما لم يتم استعادة دور الدولة وأجهزة إنفاذ القانون.
أخيرًا، لقد كان واضحًا منذ إعلان الحراك الطلابى حالة العصيان المدنى، وعدم التعاون الشامل مع الحكومة، وتقليص مطالب المحتجين إلى مطلب واحد هو الإطاحة بحكم الشيخة حسينة، أن الأمور تسير فى تجاه إنهاء سيطرة رئيسة الوزراء، التى شغلت المنصب لمدة 20 عامًا خلال ال28 عامًا الماضية، على حكم بنجلاديش؛ إلا أن هذه النهاية السريعة للمرأة الحديدية بعد نحو شهر من بداية الاحتجاجات ربما كانت مفاجئة إلى حد ما؛ وهو ما يعود ربما إلى تفضيلها حقن الدماء وتدخُّل الجيش لعدم انتشار الفوضى وقوة الحراك الطلابى والشعبى الناتج بشكل أساسى عن عوامل اقتصادية ومعيشية وسوء توزيع العوائد الإنتاجية فى البلاد وانسداد الأفق السياسى أمام مشاركة قوى فاعلة أخرى فى المشهد السياسى فى ظل طول فترة بقاء الشيخة حسينة فى رئاسة الوزراء وسيطرة حزب رابطة عوامى على زمام الأمور.
* باحث متخصص فى قضايا الصراعات المسلحة، ونائب رئيس تحرير دورية «اتجاهات آسيوية»
ينشر بالتعاون مع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.