كان الشر يتطاير من عينىّ «عرسة»، فجاء إلى بيت جاره «شريف» ليطلب منه 200 جنيه، و«عرسة» رجل جهم، طويل بجسم قوى، معروف في المنطقة بأنه لا أحد يقف قصاده، لذا حين فتحت له والدة الشاب الثلاثينى وعرفت بمطلبه من ابنها قالت له: «هروح أقبض المعاش وهديك اللى إنت عايزه»، لكنها حين نزلت إلى الشارع عثرت على ابنها جثة هامدة بطعنة نافذة من الجار. يهب أهالى المنطقة ليروا الشاب مسجيًا وسط بركة دماء عندما نزل «عرسة» من منزل جاره في المنيرة الغربية بإمبابة شمال الجيزة، اصطدم نظره بعينى «شريف» كأنهما تنظران إليه بغضب، فاهتز من الخوف وكاد يفلت منه بالشوارع الجانبية، وبعد ذلك سحبه الرجل، وهو مسجّل خطر، من وسط اثنين من أصدقائه عقب خروجهم من المسجد وأدائهم صلاة الظهر، وقال له: «عايزك في كلمتين»، وعندما وصلا إلى حارة لا يمر بها النّاس كثيرًا، كان الشاب يرتجف وهو يقول: «والله مش معايا ولا مليم». أدرك «عرسة» أن ضحيته الذي يسترزق من كنس الشوارع وحمل المخلفات لن يقضى له طلبه ويدفع له ال200 جنيه، فقال له «مش هتدفع بالذوق؟»، فرد عليه: «مش معايا»، فأخرج سلاحه «مطواة» وسدد له طعنة واحدة في صدره وتركه «سايح في دمه» حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. ذهب صديقا «شريف» راكضين إلى حيث ماكينة الصراف الآلى التي تسحب أمه منها معاشها، وألقيا بوجهها بالفاجعة «ابنك مقتول»، وهى تواجههما وتستنكر «مات إزاى؟»، فيهب أهالى المنطقة ليروا الشاب مسجيًا وسط بركة دماء، وإذ بأمه تقترب من جثته تصرخ وهى تمسك بورقة النقود «جبتها له يا حبيبى، يقوم يقتلك يا ضنايا». حُملت الجثّة وأُسجيت فوق «تروللى» الإسعاف لنقلها إلى مشرحة زينهم، تحت تصرف النيابة العامة التي حضرت برفقة الشرطة. ارتفع العويل وتشكلت حلقة من النّساء حول الأم المكلومة بعضهن يبكين بصمت، وبعضهن ينتحبن قائلات «قتل أطيب واحد، حبيب الكل، يقضى طلبات الجميع، ولو شاف واحدة شايلة شنطة بيقول لها: (عنك أنا هشيل بدل منك)». كان شقيق «شريف» حاضرًا، اقترب من والدته وبقى ينظر إلى جثة أخيه غير قادر على تصديق ما حدث، فما الذي جعل «عرسة» يقتل شقيقه وقبل أيام «لسة مديه 50 جنيه»، يقول عن ذلك «جه لأخويا البيت وخبط عليه، وطلب فلوس فأعطاه، ولما سألته عما فعله أكد أنه يستقطعه وكل ما يشوفه بالشارع يطلب منه أموالًا فيعطيه ليقصر الشر». ده خد أحن عيل عندى سارع أهل «شريف» بغسله وتكفينه، ليوارى جثمانه الثرى في مقبرة الأسرة، وبينما كانت أمه تنتظر تكفينه صرخت فجأةً: «كنت بشترى حياة ابنى من بلطجى، ووعدته إنى هديه فلوس منتظرش، كان بيكدب عليا وكنت عارفة، وقالى إنه له فلوس عند ابنى، العيال الصغيرة وصاحب ابنى أبلغونى بأن ابنى مقتول بضربة في صدره، ده ابنى في حاله، طوب الأرض كان بيحبه، مش بتاع مشاكل ولا بيئذى حد، والمتهم لم يكتفِ بقتله خد منه المحفظة بتاعته». ساد الوجوم وجوه النّاس الحاضرين، والأم المكلومة تروى أن ابنها يوم الواقعة اشترى لها خبزًا في الصباح وتوجه للمسجد وبعد الصلاة «عرسة خلص عليه»، وتشير إلى طفل شاهد الجريمة فيحكى: «قال له عايزك في كلمين، ولما راح له طعنه»، والأم تصرخ: «واحد نازل من بيته معاه سلاح يبقى بلطجى»، وتشرح أن المتهم لديه ابن قٌتل في مشاجرة قبل أيام عدة. إحدى الجارات تروى اللحظات الأخيرة بحياة الشاب الثلاثينى «شوفته بيجب عيش لأمه، طلبت منه يجيب لى معاه، وبعدين كنس الشارع، وخد اللى فيه النصيب من الأهالى، وبعدها سمعنا من عيل صغير إنه شافه مرمى جنب حيطة مقتول»، وتمتمت «ده غلبان ومالوش في أي حاجة». الأم تعاود كلماتها الحزينة: «بطلب الإعدام للى قتل ابنى غدر.. الإعدام هيبرد نارى قلبى.. ده خد أحن عيل عندى.. عايزه حقه». النيابة العامة قررت حبس المتهم 4 أيام احتياطيًا واعترف بجريمته وقال إن المجنى عليه كان قد اقترض منه مبلغًا ماليًا، ولما قال له «هات الفلوس اللى عليك»، وشعر بأنه يماطله أنهى حياته.
