تحتضن تراب القبر، تحس إنه يسمعها ويناديها: «يا أمى»، بعد ساعات تقوم من مكانها تشعر بأن ظهرها قد تحطم، تخبر مَن حولها حزينة: «اتكسرنا من بعده.. أبوه تعبان، وهو اللى كان شايل البيت»، وتندهش لقتل ابنها على يد مسجّل خطر لدى معاتبته إياه لتعديه بالسبّ على طفل، شقيق خطيبته. بين أحضانها، تضم صورة ابنها ب«بدلة الخطوبة» عريسًا كانت تتمنى أن تزفه بعد 6 أشهر، «بس زفيته لقبره يا قلبى»، وتتذكر الأم ابتسامته أثناء تغسيله قبل دفنه «نفس ضحكته لما في شبكته، ده عريس الجنة». لا فتح عينك يا تايسون الأحزان بمحيط منزل «تايسون»، سائق «ميكروباص» في عين شمس بالقاهرة، تلمسها بعيون الناس على درج السلم لصعودك لشقته تسمع جاره تولول: «البيت ملوش حس من غيره»، وطفل يتقدم نحو أم الشاب صاحب ال24 عامًا، يقول لها: «إحنا زى عيالك، ابنك كان بيحبنا وإحنا زيه». أم «تايسون»، حين تهدئها الجارات «صبرك بالله»، تقول لهم «طفل صغير- أخو خطيب ابنى- كان واقف بالبلكونة قال ل(عشرى) ولد بص لفوق، يقوم يشتمه بأبشع الألفاظ، ولما اعاتبه يرد على، في مجي ابني من شغله من وردية بعد الضهر، فيعاتبه على أنه بيشتم عيل صغير، بلا مقدمات يضربه ب(مطواة) في رجله الشمال وجنبه ويعور إيده اليمين؟!». الأم تقوم من مكانها، وتحاكى الأحداث: «بصيت من البلكونة لقيت ابنى واقع وسايح في دمه، والناس كلها واقفة بتتفرج عليه، ناديت أخويا وشيلته بمساعدة راجل في الشارع فوق تروسكيل، وضنايا بيقولي: يا ماما هموت.. هموت يا ماما، وأقوله: لا فتح عينك يا تايسون وأدلك له صدره بإيدي لحدما وصلنا المستشفى». ساعة مرت على أم «تايسون» كدهر، تنتظر فيها أن ترد الروح إلى «فلذة الكبد»، فالأطباء يهرولون أمامها يطلبون أكياس دم يتوجهون بها إلى غرفة العمليات على وجه السرعة، والابن ينظر إليها مودعًا إياها وينطق بالشهادتين مرارًا وتكرارًا حتى فاضت روحه دون أن تعرف والدته لقدوم المباحث وتكثيفهم للتحريات حتى ضبطهم للمتهم، وقولهم للأم «هتاخدى حقك بالقانون.. وشدىّ حيلك». زفيناه للتراب يا حبيبى والد «تايسون»، صٌعق أمام المستشفى وهو يرى زوجته منهاره وابنته تصرخ: «عايزة أخويا!»، وابنه يضرب رأسه في الحائط، ويقترب منهم «فهموني في إيه؟!»، لم يُجبه أحد، فيدخل في نوبة بكاء معهم هو الآخر ويفهم أن «ضنايا الكبير أول فرحتى راح للى خلقه». كان الأب في عمله حين تلقى تليفونًا من زوجته تخبره على عجل «تعالى تايسون بيتخانق»، ولما حضر من فوره «ملقتش ولا واحد من عيالى، وتليفوناتهم كلها مغلقة»، ويوضح: «لما عرفت أنهم في المستشفى توجهت إليهم وفي دماغي إن ابنى العريس مجرد متعور». وصمم الأب على تفريغ كاميرات المراقبة بمحيط منزله ليشاهد الجريمة أمامه كأنه لم يصدق قتل ابنه في غضون 10 دقائق «لقيت حوالي 5 شباب مع المتهم عشري يمسكون بابنى من ملابسه وأحدهم يناوله (مطواة) ليطعنه»، وتزداد حسرته «كلهم التموا على ابني يضربوه عشان مشكلة سببها عيل صغير». وتوجهت أم «تايسون» بالحديث لزوجها «زفيناه للتراب يا حبيبى، كان نفس الشكل وضحكته هي هي في الصور»، لا يقوى على الرد عليها وهي ترثي «نور عينهم اللي راح»، وتصف الأم ابنها «كان فيه حنية الدنيا والآخرة، أخو خطيبته الصغير لأنه يتيم قالى: (يا ماما هاتيه هيبات عندنا يومين نكسب فيه ثواب)، وزعل لما قلت له: إحنا ظروفنا على قد حالنا». أسرة المجنى عليه، أشاروا إلى أن المتهم «عشرى» يبيع المخدرات أمام منزلهم وسبق وأن طالبه «تايسون» بالابتعاد عن المكان، والرواية ذاتها يؤكدها أهالى المنطقة، وفى الوقت نفسه يطالبون بالقبض على بقيه مرتكبي الجريمة.
