لا يوجد فى العالم بلد «شقيق» لمصر حقاً وفعلاً وليس بالشعارات والخطب غير السودان، وشعب السودان مثل شعب العراق وشعوب أخرى عربية وغير عربية يملك ما يمكن أن يجعل سكانه البالغ عددهم اليوم نحو 40 مليوناً يعيشون فى رفاهية مثل شعب الدنمارك أو اليابان أو حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية. إنه عاشر بلد من حيث المساحة فى العالم (حوالى ثلاثة أمثال مساحة مصر)، والأكبر مساحة فى قارة أفريقيا، وفيه 200 مليون فدان صالحة للزراعة لا يزرع منها سوى 20 فى المائة، و30 مليون فدان من الغابات والمراعى الطبيعية، وتقدر ثروته الحيوانية ب150 مليون رأس من الماشية، وثروته المائية ب40 مليون متر مكعب فى السنة، وثروته السمكية ب100 ألف طن كل سنة، ويملك ثروات كبيرة كامنة تحت الأرض من البترول والذهب والمصارف الأخرى، وثقافياً هو البلد الوحيد الذى يجمع بين الثقافة العربية والثقافة الأفريقية، بل إنه متحف لكل مراحل التطور الإنسانى.. ولكن السودان، كما قال أديبه العالمى الطيب صالح (1929 - 2005)، «بلد أعطاه الله كل شىء، وحرمه كل شىء». فهو يعانى من الحكم غير الرشيد، خاصة منذ «ثورة الإنقاذ» عام 1989 التى قام بها الجنرالات والمشايخ فى تحالف غير مقدس بين الجيش وما يسمى الإسلام السياسى. ومرة أخرى نستشهد بما قاله الطيب صالح فى زيارته الأخيرة لبلاده بعد نحو 20 سنة من تلك الثورة ومن غربته فى لندن عندما لخص الموقف فى جملة بليغة أخرى قائلاً «من أين جاء هؤلاء»؟!. بعد عشرين سنة من «الإنقاذ» أصبح الجنوب مهدداً بالانفصال، بل كذلك ولاية دارفور أكبر ولايات السودان، وأصبح رئيسها أول رئيس فى العالم «مطلوب» للعدالة بسبب المذابح التى جرت فى دارفور، وأصبح السودان حلبة للصراع بين الولاياتالمتحدة والصين وغيرهما من الدول الطامعة فى خيراته، حيث أعطاه الله كل شىء. وفى الأسبوع الماضى وصلت أعاجيب الحكم غير الرشيد فى السودان إلى إعلان أن «حلايب» المصرية سودانية فى فعل فاضح للتغطية على المشاكل الحقيقية، وإلى إطلاق نداء من تليفزيون الدولة للفنانين لإنتاج 30 ساعة من المسلسلات لحث الجنوب على عدم الانفصال، وذلك قبل أقل من ستة شهور من استفتاء سكان الجنوب على الانفصال أو عدم الانفصال! [email protected]