كان الرئيس اليمنى على عبدالله صالح يفاخر باستئناسه قبيلة حاشد، كبرى القبائل اليمنية، وكان الشيخ عبدالله الأحمر، شيخ مشايخ القبيلة يباهى باحتوائه الدولة، التى سلمته وزارة الداخلية ثم رئاسة البرلمان، حتى وافته المنية قبل 4 أعوام.. اتفق الاثنان على هدف الوحدة، وحققاه سوياً عام 1990، وجمع الشيخ عبدالله الأحمر من كل قبيلة حجراً، وشيد بها قصره، الذى زرته عام 2002، والذى صار فيما بعد معقلاً لمعارضة نظام الرئيس على عبدالله صالح، ومقراً لتدبير الهجمات على قصره الرئاسى. لم يحب الشيخ عبدالله الأحمر ثورة الجيش فى مصر عام 1952، لكن ابنه الشيخ صادق الأحمر اهتدى بثورة الشعب المصرى عام 2011.. عندما اشتعلت ثورة اليمن عام 1962 خرج عبدالله الأحمر من سجن الإمام، وانضم للثوار، يشجعهم على نيل حقوقهم، ولكن ليس على طريقة عبدالناصر، الداعى لجمهورية اشتراكية يقودها ضباط أحرار بقوة الشعب.. وعندما اندلعت ثورة الشباب فى المدن اليمنية ليلة سقوط النظام المصرى فى 11 فبراير الماضي، لم يستغرق الشيخ صادق الأحمر وقتاً طويلاً كى يتخذ قراره بزيارة ساحة التغيير فى صنعاء، ومنها هنأ الشعب المصرى على نجاح ثورته، وأعلن تضامنه مع ثورة شعبه، وهنا سقط فعلياً نظام الرئيس على عبدالله صالح.. قلت للشيخ عبدالله الأحمر مستنكراً: انقلبتم على الإمام لتحقيق العدل، لكنكم بنيتم سجوناً سرية فى قصوركم بعيداً عن أعين القانون! قال بسخرية: «عبد الناصر هو الذى فعل ذلك.. ابحثوا عن جثث ضحاياه واسألوهم»! ثم عاد والتمس منى بلطف أن أحذف العبارة من الحوار المسجل.. ففعلت! أما الرئيس على عبدالله صالح فلم ينكر، وقال لي: «إن وزارة الداخلية تسعى لتطبيق القانون على القبائل»! ثم طلب من مساعديه مصادرة شريط الحوار لعدة ساعات، وحذف السؤال والإجابة! لكن الحقيقة انكشفت فى ساحة التغيير، عندما اجتمع هناك شيوخ القبائل المتناحرة، واستظلوا معاً بخيام الثوار، ليكتشفوا أخيراً أن الرئيس على عبدالله صالح هو الذى كان يشعل الكراهية بينهم، ويشجعهم على أسر أبناء بعضهم البعض، والثأر منهم، كى يضمن الولاء له وللدولة وللجيش.. لم أحظ بلقاء الشيخ صادق الأحمر عندما كنت فى ضيافة والده الراحل، لكنى التقيت أشقاءه حميد، وبكيل، وهاشم، وكانوا يحملون بنادقهم خلفى وأنا أجرى الحوار! هؤلاء الآن هم دينامو الثورة اليمنية ضد حليفهم السابق، وصاروا فى واجهة المعارك، ومن ورائهم قبائل مأرب، وبكيل، والبيضاء، وغيرها.. لم تسلِّم هذه القبائل ذقنها يوماً لسلطة الدولة.. قالها لى الشيخ عبدالله طعيمان، شيخ مشايخ قبيلة جَهْم (إحدى قبائل مأرب)، وهو الذى رتب لى زيارتى السرية لسوق جيحانة للسلاح شرقى العاصمة، بالعند فى وزير الإعلام آنذاك حسين العواضي، الذى رفض السماح لى بالزيارة.. لقد كانت القبائل دائماً تضع إحدى يديها فى يد على عبدالله صالح، بينما تتحسس سلاحها باليد الأخرى! يتهم صالح قبيلة حاشد بالخيانة، وهو يشعر الآن قطعاً بالمرارة.. لكنها مرارة فقدان الحليف، وسقوط النظام، وخسارة السلطة.. أما القبائل، وعلى رأسها حاشد، ومن بعدها مأرب، فقد بايعت أخيراً.. صاحب السلطة الحقيقى. [email protected]