كان الزحام شديداً والمرور راكداً وشاءت الظروف وقوفى خلف سيارة الترحيلات الخاصة بترحيل النساء للسجن.. مكثت كثير من الوقت وأنا فى هذه الحالة من انتظار فرج المرور، أتأمل حالة هؤلاء النسوة و «حشرتهن» داخل هذا الصندوق المروع.. كان قلبى ينبض بضربات سريعة ومتفاوتة أعادت لى حالتى عندما كنت أشاهد مسلسل «سجن النساء» الذى تم عرضه منذ سنوات قليلة.. هذه الدراما «الخام» التى أعدت مشاهدتها مرة أخرى بعد هذا الموقف وأفتح من خلالها مرة أخرى الباب لاستعادة حال كثير من النساء اللاتى تضطر ظروفهن الدفع بهن إلى السجن. قضايا وحكايات سجن النساء ما هى إلا عبقرية تجسد وتجمع أن صوتاً نسائياً واحداً يصرخ من عقود طويلة - يتألم - يصارع ويكافح صفعات الحياة لامساً كل من الغنى والفقير.. صوت يكشف بواطن النفس البشرية.. رغباتها وسيلكولوجياتها التى تزيد من تعقيدها وتفسيرها لعبة الحياة وقسوتها.. نساء القناطر كانوا ومازالوا تجسيد وفضيحة لمجتمع كان ومازال ذكورياً.. يضرب المرأة.. يسرق نقودها.. يغتصبها.. يستغلها.. ينتهكها.. يشغلها لحسابه.. وفى النهاية هى التى تدفع الثمن على مسمع ومرآى قوم لا يبالون بمشاعر وأحاسيس نساء تعانين الذل والمهانة من أجل البقاء.. نساء القناطر تفتح الباب على مصراعيه أمام صدمة التناقضات والفوارق التى تعيشها النساء تحت سماء واحدة.. نساء القناطر ليس كلهن نسوة مجرمة.. هى نسوة مضطربة العقل والتوازن الأخلاقى الذى «شوشه» المجتمع حاذفا معاييره وثوابته التى تتأرجح «كل شوى» بين ما هو حلال وحرام.. بين الحقوق والقوانين وتطبيقها.. بين الضعف الإنسانى والرغبات والشعور بالأمان.. بين خيبة الأمل ورجل الأحلام لاذى خاب الظن فيه!! تراجيديا خامة.. عذراء لا تتجمل.. تنتقل بين قصصها.. بين مشاهدها البيضاء والسوداء فى آن واحد لمزيد من التأكيد على الواقع وفجاعة التناقض.. عبقرية تجسد حالة السجن النفسى، الجسدى والمعنوى الذى يغلف المرأة ويكبلها بقيود مؤلمة.. القضبان الحديدية بالسجن ما هى إلا رمز للحواجز العقيمة التى صدأت وتآكلت وعفا عليها الزمن والتى مازالت تحجب المرأة عن الانطلاق الحقيقى الذى تستحقه. تؤلمنى الموسيقى الحزينة المصاحبة للمشاهد ولكنها قادرة على تحريك المشاعر وإثارة التعاطف الموضوعى دون مبالغة أو تصدير افتعالى للحزن والانكسار وهو توافق صعب تحقيقه حيث توازن ذلك براعة وحس عال مع الطبيعة الإيجابية للمرأة المصرية القاهرة للصعاب المتعايشة مع الواقع والتحديات التى تصفعها الحياة بين الحين والآخر فنجدها وبالرغم من كل ذلك ترقص وتغنى وتضحك وتأمل وتنتظر الفرج. المرأة.. هذه القوة الناعمة التى تكمن بداخلها عناصر لم تكتشف بعد ولم تستغل بالشكل الكافى حتى الآن.. خامة إيجابية تنتظر التشجيع والتوجيه.. . تتشوق إلى حياة أكثر اتزاناً ووضوحاً للثوابت التى تحدد المصير والطريق وتسمح بالوقوف على أرض صلبة لا تتأرجح بين الأبيض والأسود!!
