عند زيارة ديفيد أوين، وزير الخارجية البريطانى الأسبق للقاهرة، عام 2009 بدعوة من مؤسسة هيكل للصحافة العربية، فإنه قام بإلقاء محاضرة فى قاعة إيوارت فى الجامعة الأمريكية قال فيها بوقاحة منقطعة النظير إن مصر لم تنتصر فى حرب أكتوبر 73. لم يرد عليه الأستاذ هيكل أو أى من حوارييه. كنت الكاتب الوحيد الذى تصدى لجريمة ديفيد أوين فى حق التاريخ والإنصاف والمنطق من قلب القاهرة. يهمنى هنا أن أدعو السادة القراء للدخول على النت لمطالعة مقالى ب«المصرى اليوم» بتاريخ 22 أكتوبر 2009 وعنوانه: «لعنة الله على ديفيد أوين». فى هذا المقال كتبت: للمرة الأولى يكون لدينا أسرى إسرائيليون يعرضهم التليفزيون المصرى بعد أن كان أسرانا فى السابق هم الفرجة.. ويغنى محمد رشدى «ويا أول خطوة فوق أرضك يا سينا/ كلنا من فرحنا م الشوق بكينا».. ويبكى الطفل الذى لم يعد طفلاً مع غنوة رشدى ويستجيب لنداء الواجب بالتطوع فى المقاومة الشعبية دفاعاً عن مدينة السويس، ولا تغير ثغرة الدفرسوار من إيمانه بقيمة النصر الذى تحقق على الوحش الإسرائيلى الذى هزمته عزيمة الرجال.. وتمضى الحياة بحلوها ومُرّها، لكن يظل نصر أكتوبر نقطة مضيئة داخل نفسه، يذكره كلما حاصرته الهموم والأحزان، واليوم وفى شهر النصر يأتى إلى بلدنا الاستعمارى المتعصب ديفيد أوين يريد أن ينزع من الطفل فرحته بالنصر ويعيده للأيام السوداء.. يأتى ليعلن من قلب القاهرة أن إسرائيل انتصرت علينا.. ألا لعنة الله على الاستعمارى العجوز ربيب الإمبراطورية التى غابت عنها الشمس. يا قوم إن إسرائيل تصب الحمم على رأس من يشكك فى الهولوكوست، بينما نسمح نحن للصهيونى البغيض أن يأتى إلينا، يريد أن يهز إيماننا بأروع نصر عسكرى حققناه منذ معركة عين جالوت. لا يغنى هذا المقتطف عن قراءة المقال الذى كتبته منذ عشر سنوات حين صمت الآخرون لحسابات خاصة. سبب هذا الكلام هو أننى سمعت أن هناك من فهم مقالى قبل الأخير وعنوانه «أكتوبر فى الميزان» على نحو خاطئ، وظن أننى أشكك فى النصر. أرجو أن يفهم الجميع أنه لا يمكن لمن لعن ديفيد أوين أن يشكك فى النصر، وأن يدركوا أنك عندما تقول إن نصف مبانى لندن قد تهدمت فى الحرب العالمية الثانية، فإنك لا تشكك فى انتصار البريطانيين على ألمانيا النازية.. النصر يحتاج لتضحيات، وخسائرك فى البشر والعتاد هى جزء من الثمن المطلوب للنصر، ولا يمكن أن تخوض حرباً لا تتعرض فيها للرد من جانب العدو، والمهم بالنسبة لنا فى حرب أكتوبر أننا زلزلنا إسرائيل وكسرنا إرادتها وأقمنا مأتماً فى كل بيت لديهم وصدّرنا إليهم اليأس وأدخلنا جنودهم مستشفيات الأمراض العصبية.. فعلنا كل ذلك ونحن نحارب بأسلحة دفاعية ضد أحدث ترسانة من السلاح الأمريكى. الحديث عن التضحيات وضربات العدو التى تلقيناها وتحملناها بشجاعة ليس تشكيكاً فى النصر، لكنه تأكيد على قيمته لو كنتم تفقهون!.
