عندما خرجت من صالة العرض بالسينما مع ابنتى بعد مشاهدة فيلم «الجوكر» الذى حقق شباك تذاكره أرباحاً طائلة على مستوى العالم، وجدت شخصية «الجوكر» تنتظرنا خارج الصالة بقناعها المميز الذى أتقن تنفيذه بدقة شديدة وكأنه بالفعل «جواكين فونيكس»، بطل الفيلم، الذى أدى دوره ببراعة شديدة. التف المشاهدون، خاصة الشباب منهم، حول «الجوكر» لالتقاط الصور وسط أجواء من الضحك والتهريج المناقضة للوحشية والكآبة والصدمة التى تتركها أحداث الفيلم على النفس. مع ذلك- ربما- لم يدرك الكثيرون الخطورة التى يرمى إليها جوهر الفيلم ومعناه!! والتى بالرغم من جوانبها الحقيقية المؤلمة، التى تعكس حالة المهمشين والمظلومين الذين لا يستمع أو يتعاطف معهم أحد، إلا أنها كانت أيضاً أداة ملتوية وخبيثة تحمل فى طياتها محركات التمرد والقتل والإجرام التى تبعثها رسالة الفيلم من خلال هذا القناع الضاحك الباكى الذى يرتديه البطل ويخفى خلفه دوافع لها أبعاد سياسية أخرى بجانب بعدها الإنسانى والذى سمح بتعاطف المشاهد، وخلق من شخصية «الجوكر» نموذجا للبطل!! غير واعيا فى ذلك عن مغزى صناعة جديدة من نوع مختلف يمكننا أن نطلق عليها «صناعة الوحش»، والتى استطاع الفيلم بعبقرية شديدة ودهاء محكم أن يحقق توازناً نفسياً بين حق التمرد والممارسة الوحشية فى نفس الوقت مستغلاً فى ذلك مشاعر الشباب المتوهج.. مشاعر الشباب المهمش.. مشاعر الشباب المحتاج.. العاطل دون أى نوع من المبالاة حول هذا التأثير أو ردود أفعاله، بل والعكس صحيح وربما التخطيط له.. وربما يكون ذلك نوعا من الأساليب الحديثة المحركة للثورات وقلب الموازين بحق أو دون حق. ولعلنا نرى تطبيقاً فعلياً وحياً لهذه الشخصية- الجوكر- فى المظاهرات التى تجتاح مدينة هونج كونج منذ شهور، وأصبحنا نراها تجوب شوارع وميادين لبنان الآن، حيث يقوم الشباب بإخفاء وجوههم بمكياج قناع المهرج، محاكين فى ذلك «الجوكر»، معتقدين أنهم ليسوا مخربين أو مجرمين بل مقاتلين من أجل الحرية والتمييز، وأنهم لم يعطوا خياراً آخر بل يقومون بذلك من أجل مصلحة أكبر، بينما نرى فى نفس الوقت القليل المدرك الواعى الرافع لشعار «أرجوك لا تجعل الجوكر قائداً للمقاومة»، معبرين فى ذلك عن خطورة هذا التمجيد!!.. ولذا فإنه ليس غريباً أيضاً أن نجد- والعالم الغربى يحتفل الآن بأعياد الهالوين- المنبثق من أعياد تراثية أمريكية- أن يرتدى الأطفال والمراهقون قناع «الجوكر» كمهرجين قتلة يقومون بترعيب الشارع والعائلات والجيران حولهم!!! فى النهاية.. هل لى أن أقول المزيد.. أم علينا أن ندرك هذه المحركات وهذه الدوافع الخفية التى تعمل على غزو العقول بحق كانت.. أو بغير حق!!.
