نهاد أبوالقمصان شهدت مصر جهوداً هائلة فى بداية القرن الماضى لسن قوانين للأسرة كجزء من استكمال بناء الدولة الحديثة ورسم معالم إعادة الإنتاج والإصلاح الاجتماعى اللذين بدأهما العديد من المفكرين، بدءاً من رفاعة الطهطاوى وقاسم أمين وغيرهما، وبعد جهود عدة تم إصدار أول قانون للأحوال الشخصية عام 1920 تحت رقم 25، وقد سعى المدافعون عن حقوق النساء المصريات - مثل الاتحاد النسائى المصرى إلى إدراج مطالبهم فى المشروع التحديثى للدولة، فعلى سبيل المثال، نادت قائدات الحركة النسائية من أمثال هدى شعراوى برفع سن الزواج، وإدخال تعديلات على المواد الخاصة بالطلاق والنفقة، وقد أسفرت تلك الجهود عن بعض الإصلاحات، فمثلاً، تضمن القانون رقم 25 لعام 1920 بعض التعديلات فيما يتعلق بتحديد سن الزواج للذكور والإناث، حاولت المجموعة النسائية بالتعاون مع الحكومة، إدخال إصلاحات إضافية تستهدف الحد من تعدد الزوجات، من خلال وضع شروط فى وثيقة الزواج، وجعل الطلاق بيد القاضى، هذه الجهود لم تفلح، لكنها بالتأكيد تشير إلى أن مطالب الحركة النسوية فى بدايات القرن العشرين أكثر جرأة من مطالبها الآن. كانت لسياسات الرفاهية الاجتماعية التى ميزت حقبة الرئيس عبدالناصر بعض الإصلاحات التى أدت إلى النهوض بأوضاع النساء، وعمقت من حقوقهن فى التعليم والعمل، إلا أن تأميم العمل الأهلى فى هذه الحقبة أثر بشدة على النضال من أجل الإصلاح الاجتماعى والسياسى، مما جعل الإصلاحات فى مجال الأحوال الشخصية محدودة خلال هذه الفترة، وقد واجهت قيادات الحركة النسائية إما الاستقطاب من جانب الدولة بالتعيين فى مناصب مرموقة أو المواجهة العنيفة لمن رفض التفاوض على حقوق النساء. فى مرحلة الرئيس السادات برز تبنى الحكومة الخطاب الإسلامى، فى إطار الضغط من القوى السياسية رجالاً ونساء، ومحاولة لإظهار درجة من التوازن مع المد السياسى المحافظ، ونتج عن هذا الضغط إصدار قانون الأحوال الشخصية رقم 44 لعام 1979 الذى تضمن بعض الحقوق مثل حق النساء فى طلب الطلاق على أساس اتخاذ الزوج زوجة ثانية، وحق النساء فى الاحتفاظ بمنزل الزوجية فى حالة الطلاق، لو كانت حاضنة للأطفال، كما نص القانون الجديد على نفقة المتعة التى تعد بمثابة تعويض للنساء اللاتى يقوم أزواجهن بتطليقهن رغماً عن إرادتهن أو دون وجود خطأ ارتكبنه فى حق أزواجهن. من أجل تفادى معارضة المؤسسة الدينية، والمجموعات الإسلامية، والفئات المحافظة فى المجتمع، قام الرئيس بإصدار القانون فى فترة عدم انعقاد مجلس الشعب. بعد مقتل الرئيس السادات شهدت مصر مرحلة انتقالية قلقة حول المستقبل فى ظل تصاعد عنف ما يسمى الإسلاميين، وفى الوقت الذى انشغلت فيه كل القوى السياسية بترتيب أوضاعها والبحث حول المستقبل فى ظل تركة ثقيلة من الخلافات السياسية والقلق حول المستقبل، وجدت أصوات طريقها للانقضاض على تعديلات قانون الأحوال الشخصية وقانون مباشرة الحقوق السياسية ومجلس الشعب التى تمت فى عهد السادات، واستخدمت جملة تحريضية حتى للقوى الديمقراطية الساعية للإصلاح فى مصر وهى «قوانين جيهان»، وقد تم توظيف هذه الحملة لصالح بعض القوى التى انتهزت الفرصة وهرعت إلى المحكمة الدستورية العليا، التى بدورها ألغت القانون رقم 44 لعام 1979 فى عام 1985، لأنها اعتبرت أن عملية إصداره كانت غير دستورية، وفى إعادة متطابقة للسيناريو نفسه بعد ثلاثين عاماً وفى ذروة انشغال مصر بترتيب أوضاعها السياسية والأمنية والاقتصادية المتردية، ظهرت الجملة التحريضية نفسها ضد قوانين الإصلاح فى مصر، ولكن هذه المرة تحت عنوان «قوانين الهانم» فى إعادة لمصر، ليس فقط ثلاثين عاماً وإنما للقضاء على تاريخ طويل من النضال الوطنى وتزييف إجرامى للوعى المصرى بهدف الانقضاض على مستقبل هذا الوطن، الذى نأمل جميعاً فى أن يستعيد مكانته التى يستحقها بين الأمم الديمقراطية التى تحترم حقوق كل إنسان بها. *رئيس المركز المصرى لحقوق المرأة