عندما يزور الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، واشنطن، الأسبوع المقبل، فمن المؤكد أنه سيقضى والرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، وقتًا طويلًا فى مناقشة مستقبل وحدات حماية الشعب الكردية السورية، وهى القوة المفضلة لدى أمريكا فى الحرب ضد «داعش». مقالات متعلقة * أمير المؤمنين «ترامب» * زيارة ترامب.. والفرص المنتظرة فبمساعدة الولاياتالمتحدة، على مدى العامين ونصف العام الماضيين، استعادت القوات المناهضة لداعش، والتى تهيمن عليها هذه الوحدات، نحو 7400 كيلومتر مربع من شمال شرق سوريا من التنظيم الإرهابى. ولكن من وجهة نظر أردوغان، فإن هذه الاستراتيجية، التى تبنتها إدارة (الرئيس السابق باراك) أوباما، والآن ترامب، تساعد جماعة إرهابية كردية على تهديد أمن تركيا، والتى يفترض أن يساعد حلف شمال الأطلسى فى الحفاظ على سلامة أراضيها. ومن المحتمل أن يكون رد أردوغان هو المطالبة بمزيد من الضغط على حلفاء أمريكا السوريين الأكراد، حتى لو كان هذا الضغط يقوض هدف واشنطن فى الحد من التهديد المتطرف فى شرق سوريا. وتُظهر الأحداث الأخيرة مدى تعقيد هذا الأمر بالنسبة لإدارة ترامب، فبعد تفجير تركيا مواقع وحدات حماية الشعب فى شمال العراق، وسوريا، فى 25 إبريل الماضى، التقى ضابط عسكرى أمريكى مع قائد فى حزب العمال الكردستانى، وهى جماعة متمردة طالما كانت بمثابة شوكة فى الجانب التركى، كما أنها موضوعة على قائمة الولاياتالمتحدة للمنظمات الإرهابية الأجنبية، منذ عام 1997، وقد أثار هذا اللقاء غضبا فى تركيا، ولاقى توبيخًا شديد اللهجة من أردوغان، كما أظهر إعلان الولاياتالمتحدة مؤخرًا أنها قد تسلح وحدات حماية الشعب أن أردوغان فشل فى إقناع الأمريكيين بتغيير مسارهم مع حزب الاتحاد الديمقراطى، وحزب الشعب الديمقراطى، وذلك على الرغم من الضغط الشديد، ولذلك فإنه يبدو أن زيارته لواشنطن ستكون صعبة بالنسبة للحكومتين. فى الواقع لا يبدو أن أردوغان خاطئ بشأن اختلاط الجماعات الكردية المختلفة، ففى مقابلة مع عثمان أوجلان، شقيق زعيم حزب العمال الكردستانى عبدالله أوجلان، فى عام 2013، ادعى عثمان أنه، وعناصر أخرى من حزب العمال، أسسوا حزب الاتحاد الديمقراطى، الذراع السياسية لحزب الشعب، فى عام 2003، فى مقر حزب العمال. كما أن حزب الاتحاد الديمقراطى هو أيضًا عضو فى اتحاد الجماعات الكردية، الذى أُنشئ فى عام 2005. وقد أكد رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزانى، وهو حليف وثيق للولايات المتحدة ضد داعش، فى مارس 2016، أن حزب الاتحاد الديمقراطى وحزب العمال الكردستانى هما فى الأساس نفس الكيان. ومع ذلك فإن إدارة ترامب (وأوباما قبله) تؤكدان أنهما كيانان منفصلان، لكن هذا الادعاء ليس له أساس ملموس، وبالنظر إلى الروابط بين وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستانى، فإن المنطقة المستقلة للحزب الديمقراطى فى شمال شرق سوريا من المرجح أن توفر عمقا استراتيجيا لحرب حزب العمال الكردستانى المستمرة والمستقبلية ضد تركيا، وهو أمر يعرفه أردوغان ويشعر بالخوف منه. ومن خلال الاعتماد على وحدات حماية الشعب فى المعركة ضد داعش، فإن الولاياتالمتحدة تساعد جماعة إرهابية فى محاربة جماعة إرهابية أخرى، وذلك على الرغم من سياستها، طويلة الأمد، المتمثلة فى عدم العمل مع أى منظمة موجودة على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، مما يقلل من مصداقية أمريكا بشأن مكافحة الإرهاب. كما أن إعجاب أمريكا بحزب الاتحاد الديمقراطى الكردستانى يجعلها تتجاهل بعض الحقائق، غير المريحة، التى ستطاردها بعد الإطاحة بداعش من الرقة، ففى حين أن منظمة حزب العمال الديمقراطى علمانية فهى ليست ديمقراطية، وقد قمعت المنافسين السياسيين، واحتجزت نشطاء سياسيين أكرادا آخرين، واحتجزت الصحفيين المستقلين، وإصرارها على فرض أجندة سياسية سيسبب مشاكل للحكم المستقبلى للرقة، العاصمة الحالية لداعش، وغيرها من المدن التى تساعدها الولاياتالمتحدة الآن على الاستيلاء عليها من يد داعش. إن التنافس العرقى العربى- الكردى، الذى طال أمده، سيعمل على تعزيز تجنيد المتطرفين بعد أن يتحول تنظيم داعش إلى وضع التمرد بعد سقوط الرقة. وفى الوقت الراهن، لايزال داعش فى الرقة ولم يتحول بعد إلى وضع التمرد واسع النطاق، ولكن لن يدوم هذا الوضع طويلًا بعد أن تقرر واشنطن من سيحكم الرقة وشرق سوريا، ومن الذى سيدفع الثمن، وقد يكون لدى أمريكا قريبًا ألف جندى إضافى على الأرض فى شرق سوريا، ويتولى وكلاؤها الاستيلاء على أراضٍ جديدة من داعش كل أسبوع بدعم من الولاياتالمتحدة، بما فى ذلك كتيبة مدفعية بحرية وضربات جوية منتظمة، ولذا فإن أمريكا تسيطر الآن على شرق سوريا بشكل فعَّال. وإدارة أوباما هى التى وضعت أمريكا فى هذا الاتجاه، ولكن ترامب هو من سيدفع الفواتير الكبيرة المقبلة الآن، وفى حال أثارت تركيا المزيد من المشاعر المعادية لحزب الاتحاد الديمقراطى، وحزب الشعب الكردستانى، فى المنطقة، فإن الصعوبات الأمريكية ستزداد سوءًا، وبالتالى ستحتاج واشنطن إلى عقد صفقة مع أردوغان. والأهم من ذلك كله هو أن الأكراد السوريين مثلهم مثل العديد من الشرق أوسطيين قبلهم، يعتقدون أن الأمريكيين سيحمونهم من أعدائهم، فقد نسوا التجربة المريرة لمصطفى بارزانى، الزعيم الكردى العراقى الذى دعمه الأمريكيون فى السبعينيات ضد النظام البعثى العراقى، لكنهم تخلوا عنه فى عام 1975 عندما عقد شاه إيران، المدعوم من الولاياتالمتحدة، صفقة مع بغداد، وحينها أوقف هنرى كيسنجر إمدادات الأسلحة الأمريكية إلى بارزانى، واجتاحت القوات العراقية كردستان العراق، ما دفع مصطفى بارزانى للفرار إلى الولاياتالمتحدة، وعاش هناك حتى توفى فى المنفى، واليوم، مع رؤساء مثل أوباما وترامب، فإنه يجب على الأكراد السوريين ألا يتوقعوا وضعًا أفضل من الأمريكيين. نقلاً عن مجلة «ذا أتلانتك» الأمريكية ترجمة- فاطمة زيدان اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة