أظنك مثلى حائراً متوتراً قلقاً من هذه القرارات التى تنهال فوق رؤوسنا فجأة ثم تتركنا غارقين فى حيص بيص، لأنها تولد وتصدر وتطبق دون وعى منا بسبب صدورها؟ ومن وراء إصدارها؟ وهل تمت دراستها قبل أن تصدر؟ وما هى أهم تأثيراتها على الشرائح الاجتماعية المختلفة؟ قرارات تُشعر أى عاقل بأنها وقود للفوضى القادمة- لا قدر الله- ومفتاح إغراق المواطن فى متاهة اليأس والإحباط وفقدان الثقة فى النفس وفى المجتمع كله. مقالات متعلقة * للتاريخ: حتى «مبارك» رفض إرسال قوات مصرية إلى أفغانستان؟ * بدون ندم ! على سبيل المثال لا الحصر، فقد صدرت قرارات برفع الدعم عن الطاقة الكهربائية خلال 5 سنوات وزيادة أسعار فواتير الغاز بنسبة 300% والمياه بنسبة 25% لجميع المنازل والوحدات السكنية وفى جميع المناطق بلا استثناء، لمعدومى الدخل وميسورى الدخل وسكان المناطق العشوائية والمناطق الراقية على السواء، فهل بهذا روعى البعد الاجتماعى فى تطبيق هذه القرارات؟ وهل كان هذا وقتها؟ نفس الأمر ينسحب على قرار وزير الصناعة والتجارة بتقييد الصادرات، وقرار رئيس الجمهورية برفع قيمة الجمارك على السلع المستوردة بنسبة 40%، وهو ما أدى لافتراس الغلاء عموم المصريين وارتفاع أسعار جميع السلع المستوردة بشكل جنونى- كالأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية والمجمدات والفواكه وسكر القصب ومستحضرات التجميل- بل واختفاء بعض السلع تماما من السوق واحتكار بعضها الآخر والقضاء على المنافسة بين المحلى والمستورد لصالح الأردأ. كان القرار الأخطر- من وجهة نظرى- هو تعويم الجنيه المصرى ورفع قيمة الدولار من جانب البنك المركزى مؤخرا من 7.73 جنيه إلى 8.95 جنيه، بزعم توفير استقرار الصرف فى الفترة القادمة وتقريب السعر الرسمى من السوق غير الرسمية ورفع الاحتياطى الأجنبى ليصل إلى 25 مليار دولار نهاية هذا العام، بالإضافة لإرسال رسائل مطمئنة للمستثمرين من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق التنمية الاقتصادية، وهو زعم- فى ظاهره مقبول- إلا أنه فى نهاية الأمر يصب فى غير صالح المواطن بسبب الزيادات الجديدة التى ستطرأ على الأسعار، وزيادة التضخم بنسبة 13%، وزيادة عمليات الاقتراض داخليا وخارجيا، ورفع فاتورة استيراد السلع والخدمات بالموازنة العامة للدولة بنحو 2.5 مليار دولار، وتقليص المكاسب الناتجة عن انخفاض أسعار النفط عالميا 5 مليارات جنيه، وإعطاء انطباع سلبى للمستثمرين بأن الدولة لديها ندرة فى السيولة المتاحة من الدولار وغيرها من الأمور التى ستضاعف معاناة المواطن وتزيد أعباءه المادية والمعنوية، فماذا سيفعل إزاء هذا الارتفاع المتواصل فى الأسعار؟ وكيف سيوازن بين ما يتقاضاه وما يحتاج لإنفاقه؟ وهل يمكنه تسيير حياته وهو دائما أسير الحاجة والعوذ والبحث الدائم عما يعينه على الوفاء بالتزاماته؟ وإلى متى سوف يرتفع الدولار وينخفض الجنيه المصرى؟ وهل سيحقق قرار التعويم هذا المرجو من إصداره؟ إن خفض قيمة الجنيه المصرى بنحو 120 قرشا دفعة واحدة أمام الدولار سيؤدى لخلل اقتصادى كبير وهزة قوية فى استقرار السوق وهبوب موجات الغلاء التى تفترس الجيوب ورحمة القلوب فى آن واحد، الأمر الذى قد يؤدى لركود عام وشيوع فوضى التقييم الحقيقى للبضائع بكل أنواعها وتحكم أنصاف البشر فى المعروض والمخزون، وعجز المواطن عن الوصول للحد الأدنى من الحياة الكريمة وسيستمر الدولار فى الصعود، لأن العقول التى تدير لاتزال تسبح فى فضاء الأنظمة الفاشلة السابقة وفى أطرها التقليدية المحكومة بالمصالح الشخصية ولاتزال تتبع المسكنات التى تفاقم المشكلات وتعقدها ورغم أننى لست خبيرا اقتصاديا، إلا أننى مثل غيرى كثيرين نؤمن بأن مواجهة ارتفاع قيمة الدولار تحتاج لزيادة الإنتاج الزراعى والصناعى لتقليص الفجوة بين الاستيراد والتصدير وتنشيط السياحة، أما تعويم الجنيه فقط فسوف يغرقنا فى بحر الظلمات «يا لطيف اللطف يا رب». اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة
