ربما نكون أكثر شعوب الأرض استخداماً للأمثال فكل موقف يقابله مَثَل شعبىّ، وما أكثر ما قيل من أمثال عن عالم السياسة مباشرة وتلميحاً. ولكن أن يخرج علينا أحد رجال السياسة بمقولة تندرج تحت مثل معروف (اللى تعرفه أحسن من اللى ما تعرفوش!) وكأنها صفقة بيع وشراء ! هذا ما لم أستطع استيعابه، وإن كان كل شىء جائز فى عراق اليوم البلا بوابات و(بوابين) .عجبت لذلك التصريح الذى أدلى به أحد أعضاء كتلة (ائتلاف دولة القانون) لجريدة الشرق الأوسط متسائلا (لماذا نستبدل بشخص ناجح «المالكى» آخر قد لا يحقق نجاحا؟ ولماذا علينا البدء من الصفر دائما؟). بالله عليكم كيف لرجل سياسة فى بلد يعانى ويلات احتلال أمريكى وفارسىّ وميليشيات وأحزاب وأطياف، مازالت دماء أبنائه لم تجف ومازالت الأشلاء متناثرة على مقابر الأرصفة لم تلملم بعد، أن يدلى بذلك؟؟ لم يعد يهم العراقيون هذا وذاك، بل المهم من يعيد الأمن والأمان والهيبة لوطن تتناهبه مصالح من يدّعون بنوّته بخناجر العقوق . بالأمس هلّلوا ورقصوا لديمقراطية الانتخابات واستنكروا قولنا ألاّ ديمقراطية تحت احتلال!! وها هى بغداد أعادت فرز الأصوات يدوياً بقرار من المحكمة الاتحادية العليا، وها هو التحالف الكردستانى يطالب بإعادة فرز الأصوات فى (كركوك والموصل) أسوة ببغداد بسبب ما حصل من خروقات وتزوير على أوسع نطاق. على الرغم مما قد يسببه ذلك من تأخير فى اختيار رئيس الحكومة وما يترتب عليه من فراغ سياسى وأمنى. الوطن على فوهة بركان أخطر من بركان (أيسلندا) وانتخاب رئيس الحكومة يتأرجح بين (ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكى) و(الائتلاف الوطنى) بزعامة «الحكيم» و«علاوى» الذى لم يستطع على الرغم من فوزه، تشكيل الوزارة إلاّ بما يجمعه من أصوات برلمانية من خلال التحالف مع الكُتَل المتوافقة، على غرار ماحدث فى إسرائيل حين فازت (ليفنى) بالانتخابات بالأغلبية لكنها لم تستطع تشكيل الوزارة لعدم فوزها بالأصوات البرلمانية. وهكذا العراق. «علاّوى» على خلاف مع الأكراد المتحالفين مع «المالكى» مما يقلل من فرصته للفوز برئاسة الحكومة ما لم يجد ما يعوّضه عن ذلك من أصوات برلمانية.. والجدليات تتصاعد ورفض الحوار بين الائتلافَيْن مازال قائم. الائتلاف الوطنى جاهز ببرنامجه الذى يشتمل على معايير وثوابت عامة تشمل الالتزام بالدستور (ذلك الدستور الذى كتب باللغة الإنجليزية وتُرجم إلى العربية وتآكلت بنوده وأصابها الشلل من عدم الحركة).. والوحدة الوطنية، وحماية المؤسسات والقانون، والتأكيد على حكومة الشراكة الفاعلة والسيادة والاستقلال والاهتمام وتقييم أداء الحكومة السابقة والاهتمام بالمناطق محل النزاع وحلّ مشاكلها، وحزب البعث وما يتخذ نحوه من إجراءات دستورية.. الوقت يمرّ والكلّ يستميت فى وضع هدف النهاية فى مرماه. والوطن يزحف إلى ما تحت الهاوية وخزائن المصلحة، بانتظار الصكوك المقتطعة من حقوق الشعب وقُوتِه. فماذا بعد يا سادة؟ كيف تشرق شمس الحرية والأمان، والوطن فى قبضة التخلف؟ وأىّ ذكاء سياسى وحنكة تلك التى تجعل أحد أعضاء إحدى الكتلتين المرشحتين يدلى بتصريحه البعيد عن الدستور والديمقراطية والفكر الحر منتقدا اختيار رئيس وزراء جديد طالما هناك رجل سابق ذو خبرة؟ إذن لماذا الانتخابات سيدى؟ والجهد والمصروفات التى هناك من هم أوْلى بها؟ فلتكن رئاسة الوزراء بعقد دائم لا يلغيه إلا الموت.. ولا! لمرشح ثان. ليس ذا فائدة لأنه قادم من الصفر ببرنامج ومشروع جديد ومفيد!! ولتحلموا بكل الامتيازات إلا مصير الأمة والأجيال والشعب والمهاجرين فى الشتات.! ولا نقول إلا كما قال المَثَل (يا ناس مصيبة مصيبتنا، نحكى تفضحنا قضيتنا، نسكت تقتلنا علّتنا، بس وين نْوَلّى وجهَتنا؟ دلّينا يادكتور) إليك: غدا ينتحر عكّاز الفجر.. ليأتى مشرقا.. مهرولا.. جائعا يلتهم الدجى.. يحمل مداد الفرح يوشم به جبينك العنبرىّ.. تحملك نسيماته حيث الموجات الفضّية الراقصة على وجنتىّ دجلة وشفتىّ الفرات.. هناك حيث زورق الذكريات يتهادى شوقا إلى همسة حب عذرىّ وعطر أنفاس عاشقَين.. غدا تصفق أجنحة النوارس ابتهاجا.. ويتمايل البيلسان على قبلات الندى.. حين نذوب روحين فى أحضان سحابة خير.. تتهادى على كفّ أفُق عراقىّ بين شموع حاضر وقناديل حضارة، وبخور صبر، ونايات اشتياق، وغيث أمل.. غدا أستنشقك قربا وبشائر عودة.. يا سيدى.. ياسيد الغد!!.