لا أتصور أن هناك مصرياً واحداً لا يخجل من نفسه الآن، ويشعر بالخزى والعار أنه كان مُرغماً على الصمت والقبول بالعيش فى ظل نظام، كانت قيادته على مثل هذه الدرجة من الفساد والغباء والتجبُر التى تتكشف يوماً بعد يوم، وكان رجال دولته من أمثال سرور والشريف وعزمى والعادلى ونظيف! لقد انتابنى هذا الشعور بشدة عندما قرأت بصحيفة «المصرى اليوم» منذ أيام ذلك الحوار الذى أجراه الصحفى القدير محمود مسلم مع السيد رئيس مجلس الشعب المُنحل د. فتحى سرور، الذى – ويا للعجب – تربع على منصة رئاسته لمدة 21 عاماً متصلة! لقد أصابنى الذهول وأنا أقرأ تفاصيل هذا الحوار، الذى كشف بوضوح لا لبس فيه نوعية رجال الدولة الذين أحاطوا برئيس محدود القدرات والطموحات ليصنعوا منه فرعوناً وإلهاً يسبحون بحمده صباح مساء، لايجرؤون على مناقشته، فضلا عن مراجعته فيما يقول مهما كان مهماً ومؤثراً على الدولة، ولا يملكون تجاهه إلا السمع والطاعة، ولا يُجيدون أمامه إلا النفاق والانحناء.. تخيلوا الأستاذ الجامعى والفقيه القانونى، كما يصفه البعض، يقول بالحرف الواحد كما جاء فى الحوار: «عندما طلبت منهم (يقصد الحزب الوطنى) أن يُشركوا المعارضة المحدودة فى مكاتب اللجان لنعوض هذا النقص فى المعارضة قالوا لى: أحمد عز ما وافقش، وأنه لولا أن الرئيس مبارك كلمنى بنفسه وقال لى: رشح نفسك (يقصد لمنصب رئيس المجلس) لم أكن لأرشح نفسى»! ورداً على ما وجهه الصحفى المحترم للدكتور سرور من اتهام بأن مجلس الشعب كان يحمى وزير الداخلية، الذى لم يكن يحضر إلى المجلس بتاتاً ولا تُناقش ضده استجوابات، أجاب – لا فض الله فاه – بأنه شكا ذلك لرئيس الجمهورية، ولكنه لم يفعل شيئاً، وأن وزير الداخلية عندما علم بذلك عاقبه بأن أنقص حراسته إلى النصف، فتحدث أستاذ القانون المهيب عن ذلك الأمر مع السيد زكريا عزمى، الذى توسط له فزادوا حراسته أمين شرطة! وعندما استثار ذلك الكلام الفارغ المُحاور المحترم قال له: «هذا معناه أن البلد كانت ماشية بعملية شخصية جداً، أى بنظام العزبة، ولم يكن بلداً حقيقياً؟» فأجابه رئيس مجلس الشعب المصرى لأكثر من عِقدين: «طبعاً.. طبعاً.. أمال ليه أنا كنت ساخط وما كانوش بيحكوا لى على كل حاجة، ولهذا كنت عايز أول فرصة أسيب، لولا الأمين العام صفوت الشريف قال لى: الرئيس بيقولك رشح نفسك»! ثم أتحفنا الرجل الجهبذ بقوله إنه بَشر بثورة 25 يناير.. كيف؟ قال: إنه فى برنامج «مصر النهارده» مع الإعلامى خيرى رمضان قبل الثورة بحوالى شهر، وبعد مهزلة انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، كرر عدة مرات عبارة شجاعة خطيرة ومُزلزِلة هى: «فيه حاجة غلط»! ثم أزاح سيادته الستار عن سر خطير عندما تحدث عن التوريث، إذ قال الرجل الشجاع إن كثيراً من الناس كانوا يُهمهمون فى السر عن هذا الموضوع بما لا يستطيعون قوله فى العلن، وأضاف: «ويا ريت الرئيس مبارك كان استمع إلى هذه الهمهمات، لأن كثيراً من القريبين منه لم تكن تعجبهم شائعات التوريث وأنا منهم»، وعندما سئل: وهل أبلغته بذلك؟ أجاب بقوله: «هو لم يفتح معى حواراً فى هذا الشأن»! أما زكريا عزمى فقال له ذات مرة عندما ذُكر الموضوع أمامه: «إن الرئيس ما جبلناش سيرة الموضوع ده، ما يريحنا ويقول لنا هو عايز إيه»! وعندما تحدث مع صفوت الشريف عن الموضوع قال له: «الرئيس ما قالوش حاجة»! وقال أيضاً أحد أهم أركان النظام المُهترئ الذى سقط بلا رجعة عن رئيس الوزراء نظيف إنه لا يعلم من الذى اختاره لهذا المنصب، وأنه كان على حد قوله «يمشى ورا غالى وعز»! بالله عليكم يا أهل هذا الوطن.. هل كان هؤلاء رجال دولة يترأسون أهم مؤسساتها، وهى مجلسا الشعب والشورى والرئاسة والوزارة، أم مجموعة من الخدم الخانعين، القانعين بما توفره لهم مراكزهم، وبما يوفره لهم دورهم فى حماية سيدهم، وتجميل وجه نظامه القبيح، من مكاسب ومغانم يُغلفها كلها الحرام والمظالم! كيف كان أمثال هؤلاء العبيد فى بلاط الحاكم ترتعد الفرائص منهم، ويتقرب لهم مُفكرون ومُثقفون وأساتذة جامعات، يقدمون لهم فروض الطاعة والولاء، أملاً فى منصب أو غنيمة بالوطن المُستباح؟! ألأمثال هؤلاء كانت تتعطل الطرق والمسارات انتظاراً لمرور مواكبهم، وتُنشر الصور وتُسود صفحات النفاق عن قُدراتهم ومواهبهم؟ بالله عليكم يا أعضاء المجلس العسكرى ويا قضاة مصر الشرفاء.. أى قيمة أو اعتبار لأمثال هؤلاء الذين خانوا قِيم الرجولة والأمانة والشرف تمنعكم حتى الآن من أن يُساقوا إلى محاكمات علنية أمام محكمة ثورة، تتشكل من ذلك الفصيل الشامخ من قضاة مصر، الذين طفح بهم الكيل ذات يوم، وخرجوا إلى الشوارع بأردية العدالة، يفضحون هذا النظام المجرم القائم على فرعون وأهله وهامان وجنوده، ومجموعة من الخدم المنتفعين الذين أفرزتهم ثقافة العبيد فى زمن أغبر.. والله إن هذا هو العدل الذى أمر به الله عز وجل، لينال الذين أفسدوا فى الأرض الجزاء الذى يستحقونه. [email protected]