أسخف ما في مصر لم يكن النظام فقط .. لم يكن الفقر فقط .. ولا الفساد ولا القهر الأكثر سخافة أن الوعي الإنساني كان مفتقدا أو مشوها كان الإغراق في السطحيات هو المهرب الوحيد للمصريين لذا صار الكثيرون يجرون وراء النجوم والمشاهير ليس باعتبارهم نجوما فقط بل لأنهم مسار الأحاديث بحكاياتهم وأخبارهم وأحيانا يصبحون المرجعية في قضايا الوطن والقدوة التي يتم اتباعها كانت القضايا التي يمكن أن تشغل المصري محدودة لأن الوضع السياسي والثقافي مغلق فأنت لا تجرؤ على الحديث المفتوح في السياسة وبالطبع لا تجرؤ على الفعل كذا لا تملك أي قدرة على المبادرة في قضايا واضحة في المجتمع وإن كان لديك أفكار أو مقترحات فلن تعرف أين تذهب بها كلمات سحرية كانت تلخص أحوال شخصية المصري .. الفراغ ، العجز ، الهروب ونتيجتهم هي البحث عن ملهيات تكون غالبا بلا معنى مثل متابعة النجوم .... لاعب كرة ، مطرب ، ممثل ، مذيع مثلت هذه الفئات قادة المجتمع والمفارقة أنهم يحصلون على تبجيل غير محدود من الناس كأنهم آلهة ... وتنفتح لهم أبواب هي مغلقة على باقي البشر ... ما الذي تتوقعه حين يذهب أحد النجوم لقضاء مصلحة في هيئة حكومية ؟ لن تندهش إذا تمت هذه المصلحة بلا تدقيق وفي وقت قياسي وبأمر مباشر من رئيس الهيئة لمجرد أن هذا الإله جاء بنفسه لينجزها الهوس بالنجوم والتعلق بهم سمة إنسانية في العالم كله .. من ينكر؟ لكن التبجيل غير المشروط كفر .. كما أن اعتبار النجوم قادة وقدوة خطيئة .. والمزعج أن المهوسيين بالنجوم من الشعب المصري عددهم كبير بإفراط نظرا لحالة فراغ الوعي التي سيطرت على المواطن أضف لذلك أن الإعلام يدعم هذا الاتجاه بشكل مسف .. فلا نجاح لبرنامج دون نجوم وهم من نكسب بهم الجمهور حتى في برنامج سياسي أو اجتماعي الإعلام طمعا في المكسب هو من يعطي النجوم صك القيادة ليعلموا البشر ما هي الحياة وما هو الرأي الصحيح وكيف نعيش وربما العلاقة مع الله .. وهذا كما يعطيهم أكبر من قدرهم - باعتبارهم ليسوا بالتأكيد آلهة - فإنه يفقد الجمهور ثقته بذاته وبقدرته على تكوين رأي أو فعل لأنه يعتمد على النجم الذي يجله الإعلام فكيف هو لا يجله المدهش أن هؤلاء النجوم يصدرون الفتاوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية وربما الدينية بلا خجل ولا يقدمونها فقط كوجهة نظر بل يعتبرونها حصاد خبرة إنسانية متقنة ... والمدهش أكثر أن الجمهور يقتنع بذلك لم أسمع عن نجم يقول ببساطة (لا أعرف) أو (ليس لي علاقة بالموضوع) أو (أستطيع أن أطرح وجهة نظري الخاصة فقط) ... مع العلم أن (من قال لا أعرف فقد أفتى .... وهي قاعدة فقهية تعني أن الفقيه الذي يقول لا أعرف يكون قد أدى حق الإفتاء وليس عليه حرج في ذلك ) في خانة النجوم لن تجد عالما بارزا أو رجل سياسة محنك أو اقتصادي بارز أو كاتب أو أديب ..... هم بالفعل نجوم داخل أروقة المثقفين وعلى صفحات الجرائد لكنهم لا يحظون بهالة نجوم الكرة والمطربين والممثلين ... المضارع يقول أن زخم الثورة صنع نجوما جدد ممن يستحقون بالفعل ... وللمرة الأولى نجد سياسيين ومفكرين وعلماء يحظون بالشهرة ويمسكون الدفة ... والشعب ذاته تعرف لأول مرة على هؤلاء وشاهدهم واستمع لهم واعترض عليهم ووافقهم لكن القادم مربك .... يعود الإعلام حاليا بهدؤ لنفس المنهج ... ونظرا لأن النجوم يعرفون من يكتب عنهم ويقوم باستضافتهم على الشاشات ويمجد فيهم فالأمر بالنسبة لهم مجرد تدوير العجلة مرة أخرى بنفس الطريقة القديمة بعد فترة ستجد المطربين والممثلين ولاعبى الكرة يعودون لمواقعهم المزيفة ويعلمونك ما هي الحياة وليس بعيدا أن يصوروا أنفسهم كحماة لمصر وللثورة والمجال السياسي وبالطبع سمعة مصر الثورة لن تنجح فقط بالسياسة وصندوق الانتخابات والخطط الطموحة بل بتغيير الأفكار والاتجاهات والرؤى ... من يفعل ذلك ؟ كلنا