حين قابل خريج جامعة هارفارد في إدارة الأعمال صياد مكسيكي، كان الصياد يغني وأمامه بعض السمك كان قد اصطاده لتوه وكان يستعد للرحيل، واستوقفه خريج هارفارد وأبدي إعجابه بالسمك وتسأل لما لا تستمر في الصيد فمازلنا في وضح النهار واليوم أمامك، ورد الصياد ولكنني أصطاد فقط ما احتاجه أنا وأسرتي الصغيرة، ثم أستمتع بالقيلولة ونقوم نقابل الأصدقاء نغنى ونرقص، وهكذا تمضي الأيام الجميلة، وأضاف الصياد أنا راض وقانع، لم تتغير ملامح متخصص إدارة الأعمال وكأنه لم يسمع الصياد ثم اقترح التالي: لما لا تعمل لساعات أطول، ثم تبيع السمك الفائض، ثم تشتري مراكب أكثر، ثم تكون شركة للأعمال وتصبح من أصحاب الملايين؟ فتسأل الصياد وكم من الوقت سوف يستغرق هذا، فقال له خريج هارفارد تقريباً 25 عاماً، فقال له أنا سعيد بحالي هكذا، لما أنتظر 25 عاماً كي استمتع بحياتي في حين أن من الممكن أن أستمتع الآن!؟ كلاهما له وجهة نظر في الحياة، كلاهما ينظر للحياة من خلال منظور يتطابق مع تعليمه وخلفيته وتربيته والمجتمع الذي نشأ فيه، وقد قمت بعرض تلك القصة لسنوات في عدة ورش عمل وعدة فصول دراسية، وكان على الحضور أن يختاروا النموذج المفضل لديهم بين الصياد وخريج هارفارد أو يرفضوا كلاهما، لكنني فوجئت بتغير النتائج وسط الطلبة المصريين، منذ خمس سنوات كان معظم الطلبة يقع اختيارهم على نموذج الصياد، كنموذج للشخص السعيد الراضي، وأما الآن فقد أصبح النموذج الأكثر شعبية هو خريج هارفارد، العملي الذي يقوم بالتخطيط للمستقبل بكل دقة ولا يترك شيئاً للصدفة. ماذا حدث إذاً؟ لقد تغيرت الشرائح الاجتماعية، و ظهرت مجموعات شبابية مختلفة في مصر، أكثر جراءة وطموحاً، منهم من لا يكترث كثيراً بالجيل السابق، ومنهم عقول منفتحة على العالم وتعرف الكثير، وتلك الشرائح في تزايد مستمر، ولن يجدي معهم سوى تحدي عقولهم بإبداع وتخطيط وعمل جاد. ما قاله السيسي عن التعليم لم يقنع كثير من المصريين، فهو لا يرقي سوي أن يكون دردشة بعض الأصدقاء على مقهى في وقت الغروب. وما قاله حمدين عن التعليم كلام إنشائي يقوله أي شخص. فمن الملاحظ أن كلا المرشحين عليهما تغيير الخطاب السياسي، وعليهما أن يكونا أكثر واقعية، فقد ولي عهد المواطن المعجب بالصياد، وسوف تزداد أعداد من نوعية المواطن العملي الذي لن يقنع بأنه نورعينين السيسي، أو أن حمدين سوف يغير الواقع الأليم بالصراخ والهتاف. قد ولي عهد الأغاني وكره معظم المصريين الصوت العالي وأغاني تمجيد الأفراد، حين يفوز أحد المرشحين لن تتغير مصر، فالتغيير ليس فعلاً أوتوماتيكيا، التغيير وعي بالواقع ثم القدرة على عمل خطط عملية قابلة للتنفيذ. وفقط حين يتوقف سيل النهب القائم ليل نهار، والذي تقع المسؤولية الكبرى فيه على الحكومة، لابد أن ينكمش حجم الإنفاق الحكومي، وهو حجم كارثي بكل المقاييس، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تطالب المواطن بالتقشف والحكومة غير الرشيدة تهدر المال العام دون حساب. لقد تغير كثير من الشعب في السنوات العجاف وبقي على من هم في مراكز السلطة أن يدركوا ما سوف يواجهون وإلا سوف ينقلب عليهم الشعب إن آجلاً أو عاجلاً.
