يظن البعض أن من مبادئ حرية الاعلام وممارستها هو الإعلان الصريح للقنوات التليفزيونية والإذاعية عن التحيز لمرشح بعينه، مشيرًا إلى أن تلك الممارسات تعد نموذجًا سائدًا في كثير من الدول الديمقراطية. وطبقًا لرئيس لجنة تقييم الأداء الإعلامي للانتخابات الرئاسية، كثير من مقدمي البرامج الحوارية أصبحوا الآن زعماء سياسيين يستغلون شاشات الفضائيات للتأثير في آراء المشاهد وتوجيهه تجاه مرشح معين بطريق غير مباشر. فللأسف، مازال المشهد الإعلامي بعد مرور ثورتين تتسم ملامحه بنسبة كبيرة من العشوائية، فلم يستطيع أن يقوم بدوره الحقيقي في طرح موضوعي ومهني لكثير من الأحداث التي مرت مصر بها خلال الثلاثة أعوام الماضية. وكيف تعطي هذه الدول الديمقراطية الحرية بانحياز القنوات لبعض المرشحين عن غيرهم، وفي نفس الوقت تضع ضوابط صارمة على القنوات التليفزيونية العامة والخاصة أثناء المراحل الانتخابية لضمان التغطية العادلة بين المرشحين؟ فقد أصبح الوضع في مصر شديد التناقض، من خلال مطالبة البعض من وسائل الإعلام بأن يكون لها دور مهني ونزيه ومتوازن في عرضها لجميع برامج المرشحين وأن تراعي الدقة والموضوعية في طرح الموضوعات، ومن الجانب الآخر يبرر لها البعض فكرة الانحياز. ففكرة النزاهة مرتبطة بمفهوم استقلالية وسائل الإعلام الذي يضمن عدم تعرض الوسائل الإعلامية لضغوط سياسية من جانب الحكومة أو اقتصادية من جانب رجال الأعمال ومالكي القنوات الخاصة. فمن خلال نظرة عامة على بعض الضوابط المطبقة في كثير من دول غرب وشرق أوروبا، فمعظم الدول لديها هيئة مستقلة لوضع الضوابط على مختلف البرامج ومراقبة مدى التزام القنوات بها. ونجد أن هناك جزءًا بأكمله لتعريف الضوابط التي يجب أن تلتزم بها وسائل الإعلام في تغطيتها للمراحل الانتخابية. ومن أهمها أن يلتزم الإعلام بدوره في تقديم معلومات وحقائق للمتلقي بطريقة موضوعية دون إبداء آرائه الشخصية. فممارسة الحيادية من أهم الضوابط التي تنص عليها مكتب الاتصالات في بريطانيا Ofcom وتنص المادة (108) بأن مقدمي البرامج لا يسمح لهم باستغلال وظيفتهم وتشجيع المصوّتين لمساندة حزب سياسي أو مرشح. على عكس ما يحدث في غالبية الإعلام المصري. في أمريكا أيضًا، تنص هيئة الاتصالات الفيدرالية FCC على ضرورة الالتزام بالحيادية، ويمكن لتلك الهيئة سحب ترخيص القناة إذا تعمّدت عدم منح وقت كافٍ لجميع المرشحين على شاشاتها. وتحت بند «تكافؤ الفرص والتمييز بين المرشحين» فلا يجوز لأي مرخص التمييز بين المرشحين في الممارسات أو استخدام المرافق أو الخدمات التي تقدمها القناة. لا يعتبر مبدأ تكافؤ الفرص جديدًا أو مقتصرًا على الدول المستقرة ديمقراطيًا فقط. فقد نصت عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أنه من الضوابط الأساسية التي يجب أن تلتزم بها وسائل الإعلام في البلاد المتحولة ديمقراطيًا. وتتواجد أيضًا تلك الضوابط في بلدان أخرى منذ عقود عدة، في ماليزيا عام 1995، كانت الأحزاب تقوم بعرض برامجها في المحطات الإذاعية بعد الأخبار مباشرة بنسب متساوية. وفي كوريا عام 1987، كان لكل مرشح رئاسي خمس فترات زمنية، لا تتعدى كل منها ال 20 دقيقة خلال المرحلة الانتخابية. وتهدف هذه السياسات إلى توفير فرصة للمشاهد للتعرف على معلومات كافية للبرامج الانتخابية. تقوم هذه الدول بوضع ضوابط، لأنها تعلم أن الانحياز يضع معيار التعددية والتنوع في خطر شديد، وهو من أهم المعايير التي تضمن نظامًا ديمقراطيًا لا يقوم على الاحتكار. فإذا اجتمعت معظم القنوات الخاصة على مرشح واحد سوف ينتهي الأمر بنظام سلطوي آخر ولكن تتحكم فيه رؤوس الأموال بدلاً من الحكومة، وستغيب تعددية الآراء ولن نستطيع بعد ذلك مطالبة الإعلام بالنزاهة أو أن يكون له دور تثقيفي أو تنويري.