«الإرهاب يضرب سيناء.. الجيش يقصف القرى بالأباتشى.. التكفيريون يفخخون دبابات ومدرعات الجيش.. يقنصون الأفراد.. يسقطون طائرة عسكرية.. يفجرون كمين شرطة.. يغتالون المجندين والضابط». كل تلك العناوين تجعلك تفكر بدل المرة ألف مرة قبل أن تقرر الذهاب إلى تلك المناطق المشتعلة لتجيب عن السؤال الصعب: «ما الذى يحدث فى سيناء؟». بعيداً عن بيانات المتحدث العسكرى عما يحدث هناك. وبعيداً عما يردده عدد من أبناء سيناء من أن الجيش يحرق المنازل ويقتل مدنيين.. كان لزاماً أن تذهب إلى هناك.. لترى بعينيك ما الذى يحدث، وتسمع من كل الأطراف. تجلس إلى جوار سيدة يقتلها الخوف كل لحظة عندما تمر من فوق رأسها القذائف النارية.. وتحبس دموعك عندما تسمع من ضابط فى الجيش كيف حمل سيدة على كتفه لمسافة 2 كيلومتر فى الرمال ليسعفها بعد أن أصابها أحد المسلحين بطلق نارى.. ولماذا قال لها بعد أن توفيت: «سامحينى يا أمى لم أستطع حمايتك». المسلحون يملأون جراكن ب«TNT» ويربطوها ب«تايمر غسالات» لتفجير المدرعات[image:1] قبل أن تتحول سيناء إلى منطقة حرب فى السنوات الأخيرة، كان الطريق من القاهرة إلى شمال سيناء يستغرق قرابة 4 ساعات تقريباً. إلا أن الحال تغير كثيراً فالطريق قد يستغرق أكثر من 8 ساعات بعد أن كان مفتوحاً، أما إذا كان مغلقاً فقد يكون من سوء حظك أن «تثبت مكانك» قبل أحد الأكمنة لحين صدور تعليمات أخرى. بمجرد أن تستقل السيارة المتوجهة إلى العريش- عاصمة شمال سيناء- تسمع تحذيرات السائق «اللى ممعهوش بطاقة أو عليه حكم أو إخوانى ينزل، علشان هيتقبض عليه فى السكة». طوال الطريق تداهمك مخاوف ما قد يكون فى انتظارك. أحياناً تدعو أن يكون الطريق مغلقاً لتعود إلى القاهرة وتلغى المهمة، وتارة أخرى تدعو أن يكون الهدوء هو سيد الموقف لتتم عملك دونما أذى. من القاهرة إلى الإسماعيلية.. لا يوجد ما يبشر بالخوف.. الطريق يسير بشكل طبيعى.. إلى أن وصلنا إلى أول نقطة تفتيش وتحديداً قبل 10 كيلومترات من عبارة «ممر قناة السويس»، بمجرد أن شاهد أفراد الأمن هويتنا الصحفية، أمسك بهاتفه وتحدث فيه لدقيقة. ثم سمح لنا بالمرور بعد تفتيش السيارة.المزيد أم وطفلاها يهربون على سيارة نقل خوفاً من صواريخ الليل[image:2] «نعمة وطفلاها أيوب ومها» صورة عالقة فى أذهاننا.. شاهدناها تحمل أغراضها على سيارة نقل. تهرب من صواريخ الليل. تترك قرية «اللفتات» التى تكاد تخلو من السكان، والتى لم يبق فيها سوى حطام منازل وغنم وزرع. تروى «نعمة» معاناتها بعد وفاة زوجها منذ 4 شهور وسط قلق وخوف. وتقول: «ترملت باكراً، فقد توفى زوجى فى إحدى الحملات الأمنية، ولم يبق لى غير ابنى أيوب ونهى أقوم على تربيتهما بمفردى، القرية هنا لم يبق فيها سوى بقايا منازل، الكثير من الجيران تركها وذهب للعيش فى أماكن أخرى». وأضافت: «جئت اليوم برفقة جيرانى لنقل احتياجاتى وبقايا أمتعتى ومنزلى إلى مكان آخر بالعريش، فلا يمكننا العيش هنا وسط حطام المنازل ولا توجد أى خدمات صحية ولا اتصالات فنحن نعيش فى عزلة».المزيد علم مصر فوق كل بيت للنجاة من الحملات الأمنية[image:3] «علم مصر فوق كل بيت ».. هذا ما شاهدناه على منزل معظم المنازل المتبقية فى تلك القرى التى تشهد الحرب على الإرهاب فى سيناء.. فى البداية كان المشهد طبيعيا بالنسبة لنا.. ففى ظل الحالة الثورية التى تمر بها البلاد، ومرور البلد بثورتين فى أقل من 3 سنوات فالحالة الوطنية المرتفعة شىء طبيعى والاحتفاء بالعلم المصرى شىء جيد.. لكن المفاجأة التى اكتشفناها أن أهالى تلك المنازل وضعوا الأعلام أعلى منازلهم لظنهم أنها ستحميهم من القصف بالطائرات الأباتشى. فى قرية «الماسورة» توقفنا أمام أحد المنازل. كنا نسأل عما يحدث فى سيناء من حملات أمنية، وفى نهاية اللقاء سألنا صاحب المنزل عن سر وضعه العلم فوق منزله فرد:«يمكن لما قوات الأمن تشوفه تتأكد إن إحنا ناس وطنيين وبنحب البلد.. ولا مكان للإرهابيين بيننا». فقاطعته «ولكن قد يلجأ الإرهابيون لنفس الطريقة ويدعون أنهم وطنيون أيضا؟». فرد صاحب المنزل: «لا.. التكفيريون يفتخرون بما يفعلونه من أعمال إرهابية وتفجيرية ضد الشرطة والجيش، ويواجهون قوات الأمن ظنا منهم أنهم على صواب، فهؤلاء الأشخاص لا يفكرون، فعقلوهم مغسولة من قبل قياداتهم.المزيد
