دعني أصارحك القول سيادة الرئيس، ففي حين كانت آلة الإعلام وصرخات المحتجين تستهدفك بشخصك، كنت أتعجبُ من تجاهل هذه الآلة الإعلامية لأبجديات المنظماتOrganizations وحقائق التاريخ ومسلمات التغيير. لقد كانت مصر أمام ثلاثة خيارات، فإما استمرار سيادتكم رئيسا، وإما تقلد الجيش للأمور، وإما تشكيل حكومة ائتلافية/انتخابات مبكرة. الخيار الأخير كان من وجهة نظري إجهازا على الشعب من وجهة نظر عملية في ظل انقسامات حادة وشرطة متغيبة وعواطف ملتهبة لا تتيح مجالا لعقل أو منطق وفي وجود إعلام متهاون أو انتهازيّ. بقي خياران أحلاهما مرّ، الأول مدنيّ (ومرارته في استمرار غضب مدعوم إعلاميا اختار عبره الغاضبون ألا يسمعوا رأيا أو يقبلوا حوارا) والثاني عسكري، ورجحتم سيادتكم كفة الخيار الثاني. لقد كان من حسن الحظ أن المؤسسة العسكرية كانت هي المؤسسةOrganization الوحيدة المتماسكة ضمن الدولة المصرية والبعيدة عن آلة الإعلام، فضلا عن أنّ المؤسسات الشعبية المتناهية الصغر غاب دورها منذ زمن لعوامل كثيرة متشابكة، وأعتقد أن سيناريو تدخل الجيش وكذلك بقاء سيادتكم معززا مكرما حرا في وطن كنتَ في طليعة كتيبة تحرير أرضه، كانا من ملامح الاختلاف الجذري لدولة مصر عن "الكاتالوج التونسي". إنني أستشرف استنزافا لطاقات ثلة من شباب محب لوطنه في معارك كلامية لمدة أربعين سنة قادمة على الأقل. ليس عيبا العمل في السياسة، ولكن الخطر أن يكون ذلك مصحوبا بما قد يراه البعض طيش شباب مندفع للعمل، أو قليل الاطلاع على التاريخ، والجغرافيا، والاجتماع، بل والإدارة (وأختلف مع هؤلاء "البعض" لأنني أحترم هؤلاء الشباب وأقدر حسن نواياهم)، وما يترتب على كل هذا من احتمالات معارك كلامية، واتهامات صبيانية، ودور متوقع أكثر تغولا للإعلام. وفي ظلّ هذا المناخ يغيب الفكر الاستراتيجي ويختفي المنطق الواقعي، وتزداد الخطورة إذا لاحظنا نزول شرائح متعددة وجماهير متناثرة أصبحت تعتقد أن ما تصوروا أنه اختفاء سيادتكم من المشهد السياسي سيعني مباشرة وفورا وفي التو واللحظة تحقق كل مطالبها وأمنياتها وأحلامها في قفز مفجع -من وجهة نظري- على الحقائق، والبديهيات والأبجديات، وهو قفز انزلق إليه ضباط ثورة يوليو1952م – من وجهة نظري أيضا-. إنّ الجبهة الداخلية المصرية في مصر الآن (والتي اخترتم لها قيادة ممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة) تواجه أربعة تحديات مستقبلية استراتيجية سيادةَ الرئيس: 1. تعليم وثقافة ينتج عنهما قيادات مصرية شابة تملك ثلاثة عناصر: قدوة في الفعل، رؤية استراتيجية مع روح المبادرة. بالضبط مثل د.كمال الجنزوري الذي كان يطبق علي نفسه ترشيد الإنفاق قبل أن يلزم به الحكومة. 2. إعلامٌ ينتج عنه مُخْرَجَان: إعلاءٌ لروح الانتماء لمصر، وتأكيدٌ على القراءة كسلاح تنويريّ. 3. خطاب دينيٌّ وثقافي محدَّثان، يركزان على تحطيم الواسطة كتصرف اجتماعي ممقوت. 4. مأسسة دولاب العمل الحكوميّ: تدريس كتاب إدارة المنتجات أو(ProductManagement) وتطبيق مبادئه في مؤسسات الدولة، بحيث يكون مدير الوحدة مسؤولا رسميا وأدبيا بما يمنع تفرق دماء المسؤولية بين القبائل (الإدارات الحكومية). وأما التحديات الآنية فهي ثلاثة: 1. فتح قنوات الاتصال مع موظفي القطاعات الحكومية كما مع قادة الرأي المحليين سواء على مستوى مصر أو على مستوى المحافظات، بما في ذلك الشخصيات المصرية المؤثرة في الداخل والخارج، على أن تكون هذه القنوات بعيدة عن الإعلام وتهدف إلى توصيل رسالة طمأنينة وتعريف بالأولويات الراهنة في استعادة الأمن وطبيعة الحياة، ولا مانع قطعا من التعرف في نفس الوقت على أولويات الآمال والطموحات التي لدى هؤلاء القادة أو الشخصيات المؤثرة أو الموظفين. 2. إعادة هيبة الدولة، وما يستلزمه ذلك من التعامل الحكيم (والحازم في نفس الوقت) مع السيولة المفرطة في التصريحات، والنصائح، والاعتراضات، وربما تصفيات الحسابات بين بعض الأطراف. 3. استيعاب حماس الشباب، وأفكارهم الثورية، وتطلعاتهم المستقبلية، بغض النظر عن واقعيتها من عدمه، وتقبل اندفاع كلّ منهم لرأي أو فكرة، والحرص على مناقشتهم بشكل عقلاني ومنطقي. إنّ مصرَ يا سيادة الرئيس واثقة في قدرة أبناءها، ومن قبلُ واثقة في قدرة جيشها (وسيادتكم أحد قواده المخضرمين) على استعادة صورتها المشرقة كما كانت قبل الثمانية عشر يوما، والتي وإن كان فيها ما فيها إلا أنها كانت عامرة بعدة فوائد وتحديات ستكون زادا وعظة للأجيال المتعاقبة من المصريين، لتظل مصر تاج الشرق وقلب الإنسانية النابض إلى الأبد.