قد لا يكون مستحبا يا سيادة الرئيس إطالة الحديث مع شخص نقابله لأول مرة فضلا عن أن يكون رئيس دولة كسيادتكم، إلا أنّ الوطنَ الذي أفنيت شبابكَ وشطرا كبيرا من حياتك للحفاظ عليه يدفعني لاستغلال هذه الفرصة الثمينة. لم يعد سرا أنَّ معاهدة كامب ديفيد تفرض التزامات عديدة على مصر، وأي متأمل في استراتيجيات السياسة الدولية يمكن أن يقدّر كمّ الضغط الذي كان واقعا على سيادتكم وعلى حكومة مصرَ وهي تفاوض في الخارج لاستعادة طابا بينما الداخل يموج بأهواء سياسية وتقلبات حزبية وبين الداخل والخارج مواطنون يهمهم (ويهم سيادتك كذلك) ألا تتأثر متطلباتهم الاعتيادية بما فيها خبز القمح المدعم، وسيذكر التاريخ أن جهاز المخابرات في عهد سيادتكم قد استخدم أدواته داخل المجتمع الإسرائيلي للضغط على حكومة إسرائيل لقبول اللجوء للتحكيم في قضية طابا، ضمن صفحات ناصعة البياض سيروي التاريخ يوما تفاصيل أمجاد مصر على سطورها. أدركُ حتما حجم المحاذير والضوابط والحسابات الدقيقة المتعلقة بالكشف عن شيء مما سبق، بما في ذلك تخوف سيادتكم (أو أيّ رئيس) من استغلال البعض للبسطاء ولعواطف الجماهير للنيل من شرعية الحكم خصوصا مع ارتفاع نسبة الأمية. طبيعة شخصيتي سيادةَ الرئيس ترفض الركون للمسلَّمات هكذا، فجماعة الإخوان المسلمين قد لا تكون الوحيدة الساعية للسيطرة للحكم، فالأحزاب السياسية كذلك، ومن الطبيعي أن يدرك المتأملون في ما وراء السطور أنّ معاهدة كامب ديفيد تفرض التزامات معينة في هذا الصدد قد تتعارض مع رغبة متسرعة لدى كتل سياسية (وربما انتهازية من وجهة نظر البعض) تتجاوز متغيرات الجغرافيا وحركة التاريخ وزخم المجتمع. في تصوري المتواضع، قد تكون مواجهة الشعب المصري الذكي واللماح بهذه الحقائق (بما فيها تحفظات على مشروعات زراعية تقلل من استيرادنا من الولاياتالمتحدةالأمريكية)، قد تكون هذه المكاشفة هي الطريق الأقصر لقطع الطريق على كل من يخطيء بحسن نية، أو من يزايد، محاولا خدمة أغراض شخصية، حزبية أو فئوية، إذ البساط سيكون مسحوبا من تحت أقدام الجميع، ولن يكون هذا مزعجا للآخرين فحركة التاريخ وعلوّ الحق حقيقة لن يفر منها أحد حين يأتي وقتها. في إطار آخر، فقد كنتُ أعلم بواقعة جرت بين الرئيس الراحل أنور السادات وجدّ والدتي الراحل عبدالمحسن أبو شادي رحمهما الله، وكان ما يلفت نظري فضلا عما عايشته هو: الشخصنة، بمعنى أنّ اختيار سيادتكم لوزير جيد هو حقا باب للخير والرخاء، لكن وصول وزير أو مسؤول غير كفء أو غير صارم في مواجهة المجاملات والمحاباة كان أيضا يعني موجة من الترهل والأخطاء، وسيادتكم تعلمون أننا دولة مؤسساتها متشعبة، وأوراقها كثيرة، والأخطر: مواطنوها هم الحاضرون والغائبون في نفس الوقت. أؤمن أنّ الشخصنة ربما كانت حقيقة حتى في شركات خاصة كثيفة العمالة تعتمد على القرارات الفوقية في تسيير الأمور، إلا أنّ توافر آلية لرصد دور وسائل الاتصال والإعلام (بما في ذلك حتى انتشار أغنية الإنسان الرائع أبوالليف عن شقة الزوجية) ودراسة تأثير هذه الوسائل على حركة المجتمعات (الرسالة الثالثة) كان كافيا لتجنب احتجاجات عيدالشرطة2011م. إنّ الشعب الذي كان يتغنى بأغنية اخترناه التي من كلماتها (اخترناه من غير لجنة ولأ وآه) هو الآن في الألفية الجديدة ومع 2005م ينتخب رئيسه في لجنة وناس تقول لأ وآخرون يقولون نعم. لقد كان شعب مصر يا سيادة الرئيس بحاجة لإعلام قائم على أسس التسويق يوظف علم النفس وأبجديات الكاريزما وأدوات العصر وحركة المجتمع. كنت منذ زمن أفصح عن بعض أفكاري المنشورة هنا، كان البعض يعتقد للوهلة الأولى أنني عضو بالحزب الوطني الديمقراطي رغم أنني لست عضوا بأي حزب ولا أملك حتى بطاقة انتخابية رئاسية/برلمانية؛ لقد كان هذا سيادة الرئيس مؤشرا خطيرا على ارتباط وطن عظيم كمصرنا الغالية في أذهان شباب كثيرين بحزب سياسي وليس بأمّة عظيمةٍ. إنه شعور قاسٍ حقا سيادة الرئيس أن يشعر مواطن بأنّ هذا الوطن ليس وطنه، أو أنّ الوطن مملوك لفئة محدودة من سياسيين، أو رجال أعمال؛ صحيحٌ أن التأمّلَ العقلاني المحايد في تفاصيل هذا قد لا تصل بالضرورة لهذا الشعور، لكن غياب الInternalMarketing حتى عن ضباط جيش برتبة رائد شاهدناهم على الشاشات، إضافة لقضاة ودعاة، هذا الغياب الذي استمر لسنوات عديدة كان مؤلما للجميع ومهّد لبيئة خصبة تتناهشها الإشاعات والتأويلات. حتى تواجد سيادتكم في شرم الشيخ تم توظيفه في الاتجاه العكسي، وتم اجتزاء تعليقاتكم على الزيادة السكانية بعيدا عن ربطها بالإنتاجية في العمل، بل حتى مقابلاتكم مع بعض المسؤولين الإسرائيليين(ليس لدي شك في تعمدهم لبعض التصرفات)، كل هذا وغيرها من مواقف لم تجد من يوضحها للناس، خصوصا ومع غياب التواصل مع موجهي الرأي العام من غير الرسميين، وبالتالي أصبحنا أمام إعلام حكومي إما أنه لا يتحدث أو يتحدث بصوت غير مسموع أو بصوت قديم، بينما هنالك آلة إعلامية تلتقط كل تصرف وتتفنن فيما أسميه منهجية قتل الانتماء تجاه الوطن (بحسن نية صحفي باحث عن سبق أو بسوء قصد)، وصدقني يا سيادة الرئيس، فقد كاد هذا الأسلوب الممنهج (مع الأخطاء التراكمية الأخرى) أن يوديا بالوطن إلى ما لا تحمد عقباه.