إن الانسان اجتماعى بطبعه ، وهذه حقيقة لا تحتاج أن يُقِرَّها علم الاجتماع ; فهذه فطرة الله التى فطر عليها الناس ، فأنت لا تستطيع أن تعيش فى معزلٍ عن الناس حتى لو لم تحتاج منهم شيئاَ ، فأنت دائما فى احتياج إليهم ، والطبيعى أنه لا يوجد إنساناً لا يحتاج للآخر ; فكل منا دائماً يريد شيئاً من الأخر ، يريد منه مالاً ، طعاماً ، مساعدة ; فأنت دائماً تريد منّى وأريد منك شيئاً.. إن غالبية الناس الذين يُعانون من مرض نفسى تكون مشكلتهم فى الحياة أنه لا يستمع إليهم أحد ; فيذهبون إلى الطبيب ولا يفعل شيئاً أكثر من أن يستمع إليهم وهم يتحدثون ، فيذهب المرض ! إذن المشكلة أنه يوجد كلام ولا يوجد مستمع جيّد ... فماذا يكون الحل إن لم تجد مستمعاً جيداُ يستمع إلى كلامك ؟ وماذا تفعل إذا فقد الناس آلة السمع بسبب مشاكل وضغوط الحياة ؟ ومع من تتكلم إن لم تجد أحداً يفهم لغتك وكلماتك ؟! وإلى أين تذهب إن لم يكن هناك طبيباً نفسياً ؟! تساؤلات كثيرة ، وللإجابة عنها يقتضى أن تعرف أولاً ما هو الكلام ، وما هو الإستماع ؟ يجب أن تعرف ماهو الإستماع أولاً ; لأن آلة السمع هى أول آلة تعمل بعد خروج الطفل إلى الحياة ; بل وتعمل منذ الشهر الخامس أو السادس للجنين وهو فى بطن أمّهِ كما أثبت الطب الحديث ، وأنه يُميّز صوت أمّهِ فى الشهر السادس وصوت أبيه فى شهرهِ السابع ، ثم تعمل آلة البصر لديه بعد مرور الأيام الأولى له فى الحياة ، بدليل أنك إذا صرخت فى أُذن المولود سيفزع ، أمّا إذا وضعت إصبعك بالقرب من عينيهِِ لن يتحرك أو ينفعل لهذا.. ونلاحظ دائماً فى القرآن الكريم يأتى الله سبحانه وتعالى بكلمة السمع مُفرَد والبصر جمع كقوله العزيز : بسم الله الرحمن الرحيم " وجعل لَكُم السمع والأبصار والأفئدة لعلّكم تشكرون " النحل لماذا ؟. لأنك تستطيع أن ترى عشرات من الناس والأشياء ، لكن إذا جلست مع اثنين وتكلّما معك فى نفس الوقت لا تستطيع أن تستمع إلا أى منهما ! إذاً الإستماع هو وسيلة الإستقبال للصوتيات. أما الكلام فهو معانى الأشياء المادية والمعنوية وكذلك معانى الأشياء المشهدية والغيبية .. فالأشياء وُجِدَت أولاً ثم وُجِدَت لها معانيها ; فمن ألف سنة مثلاً إذا قلت كلمة " طائرة أو صاروخ " هل كان لذلك معنى ؟! لم يكن هناك طائرة أو صاروخ ; إذاً فالمعنى يأتى على الموجودات ، ومن رحمة الله بنا أننا نتكلم ونستطيع أن نُعبِّر عن أى شئ بمجرد كلمة .. فمثلاً إذا أردت أن تصف لشخصٍ ما شيئاً وتقول له هذا الشئ قوى مثل " الجبل " ، فالشخص الآخر عندما يسمع كلمة " جبل " يتأتى صورة الجبل فى ذهنهِ ويفهم ماذا تقصد من كلامك ، إلا فماذا تفعل إن كان لا يوجد مثل هذه الكلمة ؟! كنت ستأخذه من يده إلى " الجبل " وتقول له هذا الشئ فى قوة هذا الشئ " الجبل " ! وكذلك ماذا تفعل إن كنت تصف لفلاناً بلداً مثل الصين مثلاً ، أنت تحكى للشخص الآخر عن الذى رأيته فى هذا البلد وتقول أن اسمها الصين ، ماذا لو كان لا يوجد معنى لهذه الكلمة فى الآخر ؟ هل كنت ستأخذه وتسافر إلى الصين لتريه ماذا تقصد أن تقول ؟! إذن الكلام هو وسيلة الإعلام والإعلان عن الأشياء ، كما أن الإستماع والكلام هما وسيلتين من وسائل الإتصال لدى الإنسان. الآن أجبنى ماذا يكون الحل إن لم تجد مستمعاً جيداً يستمع إلى كلامك ؟ إذا كان الكلام مهماً جداً للإنسان ، فأول شخص يجب أن تتكلم معه كثيراً هو نفسك ! .. وإذا كان الإستماع فى غاية الأهمية ، فأول شخص يجب أن يستمع إليك هو نفسك..! إذا كنت تحتاج أن تتكلم مع الآخرين ، فأول هؤلاء الآخرين هو أنت..! أخبرنى كم مرّة فى اليوم تقف أمام المرآة ؟! ثلاث مرات ؟ أربع ، أكثر ، أقل ؟ ماذا ترى ؟ وجهك ، شَعرَك ، ملابِسَك؟! ماذا تفعل؟ تغسل وجهَك ، تصفف شَعرَك ، تٌهندِم ملابسك ؟ أليس كذلك ؟ نعم إنه كذلك. أخبرنى ثانيةً ، كم مرّة فى الشهر تقف أمام مرآتك ، أقصد مرآة نفسك مرآة شخيصتك ، مرآة أفعالك ؟ إذا كنت تقف أمامها فماذا ترى ؟ هل ترى شيئاً ؟ أم أن الغبار والأتربة قد كست مرآتك وأصبحت لا ترى بوضوح ؟! أنتَ لستُ مجرَّد أنت ، وأنا لستُ مجرَّد أنا ، فأنا أعيشٌ مع أنا الذى بداخلى ، وأنتَ تعيشُ مع أنتَ الذى بداخلك ، وأنتَ الذى بداخلك هو المرآة ، مرآتُك التى ترى فيها نفسك ، شخصيتك وأفعالك.. إذاً إذا أردت أن تتكلم فَقِفْ أمام مرآتُك واخلع كساء الغبار والأتربة الذى عليها ، وانظر إلى نفسك وشخصيتك وأفعالك ، وقل كل ما تُريد أن تقوله ، فلن يسمعُكَ أحداً سوى مرآتك ، ولن يراك أحداً سواها ، وبعد أن تقول كل ما تُريد ; كن مُستمعاً جيداً لها ، فلا تظن أن مرآتك صمّاء بكماء ، بل هى أفضل المتحدثين إليك وأحرص المستمعين لك ، واعلم أنها لن تُجاملك ولن تخدعك ، فعلى قدر ما تقف أمام المرآة لتغسل وجهك وتصفف شَعرَك وتُهَندِم ملابسك ، فَقِفْ أمام مرآتك لتغسل نفسك من السوء والأنانية والخوف ، وصفف شخصيتك وجملّها وزيّنها وقويّها ، ثم هندِم أفعالك واكسيها بثوب الخير والحياء ، والكرامة والشجاعة والأمانة. Eslam. 3:40 AM. 6/1/2010