ركبت مرة احد القطارات فى موعد متأخر ليلا بسبب طبيعة عملى المتأخرة..كان قطار عادى و ليس مكيفا ..فإضطررت للجلوس فى مربع ..(و المربع للذى لا يعرفه و لم يركب قطرا من قبل ..هو اربعة كراسى يقابل كل منهما الآخر).. كان القطار فى البدء فارغا فاتخذت لنفسى مربعا و تمنيت ألا يجلس بجوارى او امامى شخصا مقيتا فمعظم العائدون ليلا هم رجال ..فلا توجدة فتاة مثلى "صحفية" اجبرتها ظروف العمل على العودة ليلا ..و لا توجد اسرة مجنونة كاسرتى تسمح لفتاة ان تتأخر هكذا و هى تسكن فى بلد بعيدة و كان الرد الأوجب من طرفهم هو " اقعدى احسن و بلاها شغل" إلا انهم يؤمنون بحرية المرأة و " دماغهم طاقة" زى حالاتى ..صدق مين قال " هذا الشبل من ذاك الأسد ..".. المهم ..لا اطيل عليكم حضر اول جار لى فى هذا المربع الكئيب الذى جلست فيه.. كان رجلا يرتدى ثيابا بسيطة حليق الذقن عادى الشكل جلس إلى مواجهتى ..و بمجرد جلوسه و نظره إلىّ.. حتى علا صوته و انطلق يرتل آيات قرآنية و كأنه رأى عفريتا أمامه .. و إذا كنت عفريتة بالنسبة لك فما هو الذى اجبرك على الجلوس امامى ؟ فمن الممكن ان تجد مكانا اخر لك بعيدا عن حفيدة الشيطان التى تتحدث عنك الآن على المصرى اليوم .. شىء غريب "قلت يا واد طنش خاااالص" على رأى محمد صبحى فى المسرحية.. و قلت مافيهاش حاجة يابت اما يقرا قرآن اهو المكان يتبارك..و هو اكيد مش قاصد يتعوذ منك ..اكيد .. ظللت انتظر الشخصين الآخرين القادمين و انا ادعو الله ان يكون حظى افضل ..و انظر الى الكرسيين الخاويين بتمنى .. دماغكم ما تروحش لبعيد أنا لا أنتظر شكرى سرحان أو رشدى أباظة أو فارس الأحلام ..فقط كل تخوفى من المعاكسات فى القطار و يا ويلى لو جلس بجوارى شخص ضايقنى طيلة الطريق .. أشد ما أكرهه هو المعاكسة .. و لا اعرف كيف يتثنى لرجل أن يطارد فتاة و هو على يقين تام أنها ليست معجبة به .. هؤلاء الرجال تصرفاتهم غريبة بالفعل.. نظرت إلى الكرسيين بتمنى وللأسف وجدت القادمين هما : طالبين بالكلية يحملان الكتب و لا يوجد أشد خطراً من الطلبة صغار السن فدائما ما يكون فيلم " شباب امرأة" هو مثلهم الأعلى فى الحياة..!! جلس أحدهم بجوارى و الأخر على الطرف الخارجى من الكرسى الذى أمامى و لقد أنشغلا بالكتب الدراسية فحادثت نفسى قائلة " ظلمتهم ".. يبدو أنهم من الطلبة الفالحين فى الدراسة الطيبين لدرجة أننى فكرت فى أستدعاء بائع الشاى المتجول فى القطار كى أساعد كل منهما بكوب شاى دعماً منى لأجتهادهما وفلاحهما .. إلا اننى أعتقد انهما فضلا شيئا آخر للأستعانة به على المذاكرة فمالبث أن قام احدهما بفتح الموبايل الصينى أياه أبو صوت عالى كى بستمع إلى أحدى الاغانى " المخروشة" التى لا تتضح كلماتها من شدة رداءة الصوت.. مما أثار غضب صاحبنا.. الذى ظل طيلة الوقت يقرأ القرآن متعوذا منى .. الذى أمره بخفض صوت الأغنية العالى .. فأستجاب الطالب وأخفض الصوت بضحكة ساخرة خفيفة وكأنما لسان حاله يقول " مش هنخلص م الأشكال دى بقى "... لماذا أراقبهم هكذا ؟ سألت نفسى .. وقررت الألتفات إلى شباك القطار كى أنظر إلى الليل الدامس الخارجى .. وأحاول التفكير فى أى شىء كان يجعلنى أنسى الوقت وأنسى الرحلة الطويلة وبالفعل بدأت أن أسرح .. فى ماذا سرحت ؟؟ تلك التفاهات التى تشغل كل أنثى وهى : مممممم هلبس ايه بكرة ؟ هروح للكوافير امتى ؟؟ و فجأة وأنا بفكر .. شششششششششششششت صوت فلاش كاميرا وضوء قوى جه عليا الطالب الذى يجلس على طرف الكرسى أمامى وجدته يمسك فى يديه بكاميرا ديجتال.. و يبتسم و يحاول أن يجعل زميله يرى ما ألتقط .. هل كان يصورنى انا ؟؟ ام أنه كان يصور زميله..؟؟؟ للأسف كنت أنظر إلى الشباك فلم أرى وجهة الكاميرا ماذا على أن أفعل الآن ؟؟ قلت " يا واد طنش خاااااااااالص" لأنى غير متأكدة وفكرت فى عمل خديعة هذه المرة فنظرت إلى الشباك وطرف عينى ينظر إلى الطالب الذى يمسك بالكاميرا فأنا كنت على يقين تام أنه سيكرر تصويرى إذا لم أبدى رد فعل فى المرة الأولى .. و بالفعل ما كانت سوى لحظات حتى .. شششششششششششت و ضوء فى وجهى و هذه المرة استطعت مشاهدة شاشة الكاميرا التى ظهرت أنا فيها وبكل أسف ..وبكل وضوح فلم أعرف ما يتوجب على فعله ؟ هل أصرخ فى وجهيهما ؟ مع العلم أن كل من ف العربة رجال وأنا متأكدة أنه لن ينحاز إلىّ أحدهم.. لذا فضلت الأنسحاب بغضب وقلت لهم بلهجة صارمة " عن إذنكم ".. ثم ذهبت لأقف عند أحد أبواب عربة القطار أستعدادا للنزول فالحمد لله كنت على وشك الوصول .. بالفعل نزلت من عربة القطار وكل ما يدور فى ذهنى هو فكرة واحدة غريبة .. هل أصبحت حياتى الخاصة عامة إلى هذا الحد وبكل سهولة ؟ هل انا الآن موجودة وبكل وضوح على كاميرا ديجتال شخص لا أعرفه ؟ الغريب أننى حتى الآن لا أعرف هذا الطالب وأن رأيته مرة أخرى لن أتذكره ..هل من الممكن أن يكون يقرأ كلماتى حالياً ؟ يا لسخرية القدر