السيسي يشهد حفل تخرج دفعة جديدة من أكاديمية الشرطة.. الرئيس: الشعب المصري لديه الحق في الشعور بالقلق من التطورات الإقليمية.. ومصر بخير والأمور مستقرة وتسير نحو الأحسن    هل اقترب موعد العمل العسكري؟.. تصريح قوي من وزير الخارجية بشأن سد النهضة    جنوب سيناء يتابع انتظام الدراسة بمدرسة أبورديس الثانوية المشتركة -صور    حزب العدل: نؤيد الدعم النقدي وسنقدم رؤية شاملة للحوار الوطني خلال الأيام المقبلة    تفاصيل أول 4 جلسات بمجلس النواب في دور الانعقاد الخامس    المصري للدراسات الاقتصادية: مؤشر أداء الأعمال يتراجع في الربع الثاني من 2024    بالصور .. إصلاح 4 حالات تسرب للمياه بوصلات منزلية فى أسوان    الرقابة المالية تنظم ورشة عمل لتطوير وتنمية قدرات كوادر هيئة الأوراق المالية بالأردن    برلمانية: الدعم العيني يضمن وصوله إلى مستحقيه بشرط وجود لينك لتسجيل بيانات المواطنين بمعايير معينة    بالدموع والقبلات، آلاف اليابانيين يودعون دب الباندا    وزير الخارجية يلتقي بالمصريين العاملين بمقر الأمم المتحدة في نيويورك    بدون شك.. السيسي: يجب أن نشعر بالقلق مما يحدث حولنا    إنفانتينو: هناك عصر جديد لكرة القدم سيبدأ مع كأس العالم للأندية 2025    كرة اليد، 3 سيناريوهات تصعد بالأهلي لنصف نهائي مونديال الأندية    بعد أنباء ارتباطه بالزمالك.. سيراميكا ليلا كورة: متمسكون ب "بيكهام" وعقده ممتد 3 مواسم    حملة مكبرة لإزالة الإشغالات بمركز دار السلام في سوهاج    مصرع شخص إثر حادث قطار في الشرقية    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 5 ملايين جنيه    أنغام: "معرفتش مين تووليت وأكرم حسني موهبته كبيرة"    ماريان خوري: برنامج مهرجان الجونة يضم 71 فيلمًا من 40 دولة العام الحالي (صور)    أجندة قصور الثقافة الأيام المقبلة.. منها مهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية    الرئيس السيسي: ندير أمورنا بشكل يحفظ أمن واستقرار بلادنا والمنطقة    4 أطعمة تقلل من الإصابة بسرطان الأمعاء    حصيلة 24 ساعة.. ضبط 30123 مخالفة مرورية متنوعة    كومباني يأمل في تعافي كين ولحاقه بالمواجهة الأوروبية أمام أستون فيلا    طيران مسير إسرائيلي في سماء بيروت    جامعة مصر للمعلوماتية تنظم اليوم الإرشادي للطلاب الجدد وتبدأ العام الأكاديمي 2024-2025    بعد أحداث السوبر الأفريقي.. الأهلي يوقع عقوبة مغلظة على إمام عاشور    طقس خريفي معتدل.. الأرصاد تكشف حالة الطقس حتى الجمعة المقبلة    الصحة العالمية تعلن إطلاق حملة "من أجل صحة القلب والأوعية الدموية"    خلال شهر سبتمبر.. تحرير 72 محضرا خلال حملات تموينية وبيطرية بالغربية    نيويورك تايمز: إسرائيل استخدمت قنابل زنة 2000 رطل في الهجوم على نصر الله    الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه يواصلون أعمالهم الوحشية بحق الشعب الفلسطيني    التعليم: الاستعانة ب50 ألف معلم من غير المعينين بالوزارة.. مستند    عروض خاصة ومحاكاة.. السيسي يشاهد عرضًا لطلبة أكاديمية الشرطة    السيسي: العالم ومنطقتنا يمران بظروف صعبة وسياستنا تتسم بالتوازن والموضوعية    الإسكان: تكثيف أعمال التطوير بمنظومة الطرق والمرافق والزراعة بالمدن الجديدة    تداول 9 آلاف طن بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    «عبدالغفار» يترأس اجتماع اللجنة العليا للمؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    جارديان تبرز تحذير كبير الدبلوماسية الروسية للغرب من محاولة قتال قوة نووية    اليوم.. ندوة لمناقشة "ديوان خيالي" للشاعر الكبير جمال بخيت بنقابة الصحفيين    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    مدرسة الأقباط الثانوية بطنطا تحتفل بالمولد النبوي.. صور    الإحصاء: 266 ألف حالة طلاق في 2023    موعد مباراة ديربي مدريد بين الريال و أتلتيكو في الدوري الإسباني    إصابة 14 شخصا في انقلاب ميكروباص أمام مدخل الجبلاو بقنا    إعادة تشغيل صيدلية عيادة السلام بالتأمين الصحى فى بنى سويف    شريف عبد الفضيل يكشف أسباب هزيمة الأهلي أمام الزمالك    اللواء هاني أبو المكارم: تخريج 48 طالبا فلسطينيا ضمن دفعة 2024 بنسبة نجاح 99.1%    الصحة تنظم برنامجا تأهيليا لأطباء الصدرية بالتعاون مع الجمعية المصرية للشعب الهوائية    إجابات علي جمعة على أسئلة الأطفال الصعبة.. «فين ربنا؟»    "أكسيوس": إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة ردع إيران بعد اغتيال زعيم حزب الله    ضبط شاب يصور الفتيات داخل حمام كافيه شهير بطنطا    مصر تسترد قطعا أثرية من أمريكا    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    داعية إسلامي يضع حلًا دينيًا للتعامل مع ارتفاع الأسعار (فيديو)    «الأهلاوية قاعدين مستنينك دلوقتي».. عمرو أديب يوجه رسالة ل ناصر منسي (فيديو)    المنيا تحتفل باليوم العالمي للسياحة تحت شعار «السياحة والسلام»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القطار والجاموسة والقدر
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 11 - 2009

ركب أحد رجال الدين المشهورين بالتقوى وله شعبية ضخمة قطارا متجها لإحدى القرى تلبية لدعوة لإلقاء بعض العظات والحديث عن الله، حيث يجتمع لسماعه الآلاف من البشر. بعد تحرك القطار جاء مفتش القطار فأبرز رجل الدين له التذكرة، وبعد أن نظر المفتش إلى التذكرة بتركيز وقلبها بين يديه قال للداعية وكان يعرف ملامحه من التليفزيون، أنا آسف أيها الأب الورع هذا القطار لا يقف على محطة البلدة التى تقصدها. ابتسم الرجل بتقوى وثقة وخشوع قائلا: بل سيقف! فنظر المفتش إليه باستغراب شديد قائلا: سيادتك هذا القطار سريع ولا يقف إلا على البلدان الرئيسية، فابتسم مرة ثانية بثقة وهو يتمتم بآيات من الكتاب المقدس وأرخى عينيه إلى أسفل فى حركة خشوعية ورفع إصبعه لسقف القطار وقال بهدوء شديد وثقة: هو هيوقفه.
هز المفتش كتفيه وترك الرجل فى تأملاته ومضى وهو يتمتم بعصبية شديدة. ركع رجل الدين على ركبتيه وأسند مرفقيه على كنبة القطار وصلى إلى الله قائلا: يا رب أنت تعلم الجماهير التى تنتظرنى الليلة، وهم ينتظرون منى رسالة عنك، وتخيل عدد البشر الذين سوف يخشعون قدامك من كلماتى ودموع التوبة التى سوف يزرفونها كالأنهار لمجرد أن صوتى يختنق بذكرك، وأنا أذكرهم بخطاياهم وآثامهم، جلالتك تربح الآلاف من البشر العائدين من قبضة إبليس بسبب عظاتى وتعاليمى ونصائحى، فهل كثير علىّ وعلى هذه الآلاف التى تنتظرنى أن تصنع معجزة صغيرة جدا وأنت الله العظيم وهى أن توقف القطار على المحطة التى أريد النزول فيها. أخذ يردد هذه الكلمات راجيا من الرب الاستجابة، حمل الملاك المختص بجمع طلبات البشر من الأرض هذه المطلبة ولم ينتظر حتى الموعد العادى لتقديم الطلبات إلى الله، لكنه طلب مقابلة سريعة ودخل إلى العرش، قال الملاك لله بعد أن سجد أمامه بخشوع: هناك طلب يحتاج إلى استجابة عاجلة، خاصة أن الذى يرفعه إلى جلالك رجل دين تقى ومشهود له بقدراته فى الدعوة، وعظمتكم لم ترفضوا له طلبا من قبل، أجاب الله: أنا أعرفه جيدا، ما مطلبته؟! قال الملاك لاشك أنك تعلمها لكنك وضعت نظاما لكى يصلى لك الناس ويرفعون طلباتهم، حتى يشعرون بأنك تستجيب لهم فتقوم علاقة حية بين الفرد وربه، حيث إنك أقرب إلى المؤمن من حبل الوريد وأنك تجيب دعوة الداعى، وطلب هذا الرجل هو أنه قد ركب بالخطأ قطارا لا يقف على البلدة التى يقصدها لإلقاء عظاته ودعوة الناس للتوبة وتخليصهم من يد إبليس، قال أحد الملائكة الواقفين حول العرش: وما المانع؟ عليك أن توقف له القطار، قال ملاك الطلبات كيف؟! قال ملاك العرش: دع الرجل الذى يقوم بفتح إشارة مرور القطار عند قدومه للمحطة التى يريد أن يترجل عندها رجل الدين أن يدير الإشارة حمراء بدلا من أن يجعلها خضراء كالعادة مما يرغم القطار على التوقف.
قال ملاك الطلبات: إن هذا الرجل لديه خمسة أولاد وهو فقير وملف خدمته به الكثير من الجزاءات، وإذا أخذ جزاء جديدا سوف يؤثر هذا على عائلته، فضلا عن أن هناك احتمالا أن يرفت من وظيفته وهذا سوف يجعله يشعر بالظلم ويتجه إلى الخطأ والانحراف ليكسب قوت يومه. قال ملاك آخر ينصح ملاك الطلبات لماذا لا تجعل بقرة تعبر القضبان عند المزلقان وعندما يصطدم القطار بها سوف يقف، قال الملاك، وما ذنب البقرة؟ وما ذنب صاحب البقرة؟ وما ذنب المسئول عن المزلقان؟ قال ملاك ثالث: لماذا لا يتعطل القطار السابق لقطار رجل الدين ويقف على المحطة ويبلغ لسائق قطار رجل الدين أن هناك قطارا متعطلا بالمحطة وعند ذاك يقف خلفه تماما، قال ملاك الطلبات: وما ذنب رواد القطار الذى يسبق قطار رجل الدين ليتأخروا عن مواعيدهم، وربما تكون هناك صفقات يخسرونها أو يتأخرون عن أعمالهم فيجازوا أو عن عائلاتهم المنتظرة لهم...الخ. ثم أردف ملاك الطلبات وهو يزفر متضايقا ومتحيرا قائلا: إن هؤلاء جميعا الذين ذكرتهم يا صديقى يقومون بعملهم فى منتهى الدقة، ولم يتأخروا لحظة عن مواعيدهم، ولم ينشغلوا عن أعمالهم بأى شيء فى يوم من الأيام، وصعب جدا أن نجعلهم ضحية لأخطاء لم يرتكبوها بل ارتكبها رجل دين ركب القطار بطريق الخطأ. وهنا نظر الله بغضب للملاك حامل الطلبات قائلا له: تصرف.
فخرج الملاك بعد أن سجد من الحضرة الإلهية مسرعا فى الوقت الذى كان القطار يقترب من البلدة المستهدفة بسرعة فائقة لعبور المحطة كعادته فى الوقت الذى كان فيه رجل الدين ما زال راكعا يصلى، وفجأة توقف القطار وسقط الراكبون على وجوههم من قوة الصدمة، ولحسن الحظ لم يصب أحد. هنا وقف رجل الدين مزهوا لأن الله استجاب صلاته والقطار توقف، تناول القبعة وارتدى المعطف وأمسك المظلة بيده اليسرى والكتاب المقدس بيده اليمنى وبحث عن مفتش القطار حتى وجده، ونظر إليه بابتسامة متعالية، وكأنه يقول له: ألم أقل لك يا ملحد يا كافر يا من لا تؤمن بالمعجزات أن القطار سيتوقف. ولم يستطع المفتش أن ينظر إلى عينى رجل الدين فنظر إلى الأرض خجلا. نزل رجل الدين إلى محطة القطار لكنه لم يجد أحدا فى استقباله كما هى العادة، فقال فى نفسه لابد أنهم سوف ينتظروننى فى موعد القطار الذى يقف على بلدتهم، فليس من المعتاد أن يقف هذا القطار هنا.
واتجه إلى الفندق الذى اعتاد أن ينزل فيه ووجد أن راعى كنيسة البلدة قد حجز له حجرة معتاد أن ينزل بها، فتناول الغداء فى المطعم وصعد إلى الحجرة واستراح لمدة ساعتين، وفى موعد اجتماع المساء نزل من الفندق واتجه للكنيسة، وهناك استقبلوه بالترحاب، وامتلأت الكنيسة بآلاف من البشر الذين أتوا للاستماع إليه ووقف ليعظ وصال وجال وتحرك على المنبر فرفع صوته وخفضه، وبكى وبكت الجماهير. بعد انتهاء العظة قال: هل هناك من رفع صلاة التوبة فرفعت الآلاف أياديها، فشعر بسعادة خاصة، وكأنه يقول لله أشكرك على المعجزة وها أنت ترى النتيجة.. إلا أنه لاحظ أن راعى الكنيسة متغيبا عن الاجتماع وهذه ليست من عاداته ولا من آداب الضيافة، لكن مساعد الراعى والذى كان يقود الاجتماع وقف بعد العظة ليشكر رجل الدين، وفى نهاية كلمته قال: كنا نتمنى أن يكون معنا راعى الكنيسة هذه المرة كما تعودنا لكنه كان ذاهبا إلى محطة القطار لانتظار ضيفنا العزيز مبكرا بعض الشيء وإذا بالقطار السريع الذى يسبق القطار الذى يقل الضيف صدمه فمات!!
قرأت هذه القصة فى إحدى المجلات الدينية الأمريكية المتخصصة لرجال الدين منذ ما يقرب من ثلاثين عاما وقد ألفها رجل دين مسيحى.
جاءت تعليقات القراء فى العدد التالى كثيرة ومتنوعة وقد اخترت لك عزيزى القارئ تعليق ثلاثة من رجال الدين، كتب أحدهم يقول للمؤلف: هل وصلت بك السخافة أن تجعل البقرة أهم عند الله من رجل الدين فتنقذ البقرة وتميت رجل الدين؟ وكان الرد فى العدد الذى يليه من رجل دين آخر يقول هذا طبيعى لأننا نحن والسماء أسرة واحدة ولو حدث لنا هذا لن نشتكى (فالحكاية فى بيتها) ثم إن الله سيعتنى بأسرنا أفضل منا.
أما التعليق الثالث فيقول: قصتك توضح أن المعجزة استثناء لبعض المؤمنين دون غيرهم، وفى هذا ظلم لباقى المؤمنين الذين لم تحدث معهم أى معجزة فى حياتهم بل ظلم أيضا لغير المؤمنين، فالاستثناء فى دنيا البشر ظلم فكم وكم فى دنيا الله؟! إنك تحاول القول أن المعجزة عادة ما تكون على حساب آخرين كما هو واضح من القصة، فهل هذا رأيك فى المعجزات؟ لماذا لا تقل أنك لا تؤمن بالمعجزات الإلهية وبالقضاء والقدر؟
ولعلك تلاحظ عزيزى القارئ أن هذا السؤال يحمل إرهابا للمؤلف ؟وربما ذكرك هذا بأحد البلدان التى توجه فيها هذه الأسئلة على مدى الأربع وعشرين ساعة يوميا على الهواء مباشرة لمن يحاول أن يجتهد فى الدين أو يقدم حلولا عصرية وتفسيرا للآيات المقدسة تناسب الزمن الذى نعيش فيه.
لا أعرف لماذا تذكرت هذه القصة عند حدوث تصادم القطارين فى العياط، والمقالات التى كتبت والحوارات التى دارت فى مجلس الشعب والإعلام، عن مسئولية الموظف الصغير ومسئولية الوزير واستقالته ودور القضاء والقدر، والجاموسة الراقدة تحت القطار فى الصفحة الأولى لكل الصحف، والتى ذكرتنى بأحد الحلول المطروحة فى قصتنا.. ثم الفارق الضخم بيننا وبينهم فى تناول القضايا اللاهوتية والفقهية مثل (الله الإنسان القضاء والقدر الصلاة واستجابتها الملائكة المعجزة..الخ) ألسنا نحن أكثر الشعوب تدينا، وكله تمام..؟! وأليس هم أيضا منحلين وعلمانيين..ولا انت رأيك إيه؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.