ثبت أن كل ما نقوله عن العلاقة الخاصة، التى تجمع بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، غير صحيح، والدليل على هذا هو موقع «ويكيليكس»، الذى نقل الكثير من التقارير، التى تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية والتى لم يظهر فيها اهتمام كبير بإسرائيل.إن التقارير المنشورة حتى الآن تثبت أن الدول العربية هى الشغل الشاغل للولايات المتحدة وفى مقدمتها مصر والسعودية وسوريا ولبنان وليبيا ودول الخليج، وكذلك حلفاء الولاياتالمتحدة فى أوروبا مثل ألمانيا وبولندا والفاتيكان وتركيا وأيضا فى آسيا مثل باكستان والهند وأفغانستان، لكن إسرائيل لا وجود لها فى خريطة الاهتمامات السياسية الأمريكية، ولا يرد لها ذكر إلا بالمصادفة فى البرقيات الصادرة من تلك الدول، وكأن الولاياتالمتحدة ليست لها سفارة فى إسرائيل ترسل لها برقيات بشكل يومى حول كل ما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين، أين هذه البرقيات ولماذا لم ينشرها «ويكيليكس» مثلما نشر البرقيات التى يرسلها السفراء الأمريكيون فى الدول العربية؟ لقد أعلن موقع «ويكيليكس» فى بداية إطلاقه أن لديه 2752 وثيقة عن مصر و5411 وثيقة عن إسرائيل من أصل ما يزيد على ربع مليون وثيقة، ومن الوثائق الإسرائيلية هناك 2217 وثيقة صادرة من القدس، مقر الحكومة الإسرائيلية و3194 وثيقة صادرة من سفارة الولاياتالمتحدة فى تل أبيب، فأين هى تلك الوثائق التى لم تنشر حتى الآن؟ وطبعا نحن لا نؤمن بنظرية المؤامرة، التى ذهب إليها البعض متصوراً أن مفجّر موقع «ويكيليكس» أسترالى الجنسية جوليان أسانج، قد عقد اتفاقا مع «الموساد» الإسرائيلى يسمح له بنشر تلك الوثائق دون أن يسبب لإسرائيل أى إحراج، وهو ما ذهبت إليه جريدة «الإندبندنت» البريطانية، فى الوقت الذى أكد فيه المحلل السياسى الشهير آلن هارت بقناة BBC البريطانية تورط إسرائيل فى تسريب وثائق ويكيليكس. المسألة أبسط من ذلك بكثير، فليس هناك اتفاق سرى، ولا هناك مؤامرة، وإنما الحقيقة هى أنه ليست هناك علاقة خاصة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، كما نتصور فى الوطن العربى، وأن الوثائق ال5411 الصادرة من إسرائيل ليس بها شىء مهم يستحق النشر، صحيح أن عددها يصل إلى ضعف عدد الوثائق الصادرة من مصر، لكن ما يرد بها لا يشكل أى حرج لإسرائيل، ولا للولايات المتحدة، بدليل أن الموقع اختار 22 وثيقة منها وقام بنشرها، فلم يهتم أحد بنقلها لأنها خلت تماما من أى ذكر لموضوع مهم. طبعا أنا لم أطلع على بقية هذه البرقيات السرية الصادرة من إسرائيل، لكنى واثق بأنها لا تتضمن إلا السلامات والتحيات، التى ترسلها السفارة الأمريكية فى إسرائيل يوميا إلى وزارة الخارجية فى واشنطن، من عينة سلامات بلدياتنا كلما يلتقون، فيقول الأول للثانى: سلامات! فيرد عليه الثانى: الله يسلمك. فيعيد عليه الأول مرة أخرى: سلامات! فيرد عليه الثانى: الله يسلمك. ثم يبدأ الثانى فى تحية الأول فيقول له: سلامات! فيرد عليه الأول: الله يسلمك. فيعيد عليه التحية: سلامات! فيرد عليه: الله يسلمك. أما البرقيات الصادرة من مقر الحكومة بالقدس، فهى تعبر بلا شك عن أرق المشاعر وأحر الأشواق للمسؤولين الأمريكيين، الذين يبعدون عنهم آلاف الأميال من الأراضى العريبة ومياه المحيط، وهى لا شك من عينة: بعد الأشواق الحارة التى عبرنا عنها فى برقيتنا يوم أمس، إليكم مزيد من الأشواق الحارة التى نعبر عنها اليوم. لذلك فأى حديث عن اتفاق سرى ل«ويكيليكس» مع إسرائيل هو تعبير عن نظرية المؤامرة المعششة فى الأمخاخ العربية المتخلفة، التى لا وجود لها فى الواقع.