في البدء كانت آلية الخلق الجبري ، وفي الختام كانت آلية التخليق الإختياري ، وما قبل البدء لاشيء في فضاء الكونية على مسرح مركز الإبداع الفني بالقاهرة سوى كومة رمل إلى اليسار غرس فيها راديو متوسط الحجم قديم بزاوية مائلة في طرفها ، وساعة رملية شفافة في طرفها المقابل . وثبتت في الخلفية لوحة أو سبورة سوداء كبيرة ، ولاشيء غير ذلك . مع البدء يدخل شاب وفتاة في حلتين سوداويتين ربطا من عنقيهما بشريط أسود عريض من جنس قماش حلتيهما جنباً إلى جنب متلاصقين بما لا يتجاوز إمتداد طول الشريط. لا يرى الجمهور سوى ظهريهما حيث يقفان على الطرف الأيمن من فضاء المنصة ، وعلى نفس الخط الذي يخترق كومة الرمال. يستديران مع مصاحبة موسيقية نحونا ، يرسمان على الأرض مربعاً طباشيرياً حولهما... وبدءاً من تلك اللحظة يبدآن في الحركة المتعارضة بما يشي بأنهما كتلة جسدية متوحدة ، ومقسمة إلى جزئين في آن واحد وأن تعارض وجهتيهما هو دليل على محاولة الإنفصال. على أن ذلك المربع المرسوم يشكل من حيث كونه علامة أيقونية حيزاً مكانياً جبرياً ، يحاولان تجاوزه أو تخطيه والخروج منه . يتململان ويتحركان في تماثل أو تعارض في آن واحد دليلاً على التمرد على ذلك القيد الجبري. وعندما يتمكن الشاب من القفز خارج حدود المربع الجبري بعد النظر في الساعة المعلقة على صدره يجتذبه نصفه الآخر إلى داخل المربع أو الحيازة الجبرية بفعل الرباط الذي يربطهما مع صيحة أنثوية (رقبتي My neck)!!! يعود إلى الداخل وتتكرر محاولاتهما للإنفكاك من ذلك الواقع الجبري ويتمكنان من الخروج بطريقة من يسقط من مصعد . وما أن يتمكنا من ذلك حتى يهرولا نحو اللوحة الخلفية ويتسابقان في الكتابة رسماً أو نقشاً بالحروف اللاتينية . هي بيمناها وهو بيسراه – قاصداً تبعاً لرؤية الإخراج للتأكيد على أنهما شخص واحد – تتخذ الكتابة مسار الرسم الرأسي في خطوط متعرجة أو دائرية أو مستقيمة . مائلة أو منحنية فيما يشبه خط المسار الرأسي للكتابة الصينية أو اليابانية مرة أو الأوروبية غالباً دون أن يتركا ثغرة في اللوحة دون كتابة. وهو ما يمثل مرحلة تسجيل لتاريخ وجودهما على الأرض بهبوطهما من منزلة أو وجود أعلى . كما أنها وسيلة للتواصل والتعبير بعد صمت طويل قضاه ذلك الكائن التوأم المنقسم جسدياً بعد الهبوط والخروج من المظهر الوجودي البشري في ذاته إلى الواقع الوجودي لذاته. ومن محاولة كل ذات منهما الإنقسام في تحقيق ذاته معتمداً على نفسه. وهنا ينسلخ كل منهما عن هيئة وجوده الجبرية (بخلع الزي الأسود) ليظهر بزي أبيض بسيط ويتخير موقعاً من الفضاء المكاني العريض . فالذكر يتخذ من البداوة (كومة الرمل) مكاناً يتعايش معه ويتمرغ في ذراته ، ويحاول صنع ماهيته فيكتشف وسيلة الاتصال الحديثة (الراديو) بعد إكتشافه لفكرة الزمن (الساعة الرملية) ، ومن ثم يتعرف على قيمة الزمن وتطوره بتعاقب حركة الحياة . ويكتشف - عبرالتنقيب في الرمال - قدرته على الإتصال مع من سبقه من أجيال سابقة. حيث يعثر على جمجمة يكلمها بالراديو محاولاً خلق إمكانية التواصل مع التراث. مستعيراً موقف هاملت من مضحك الملك (يورك). وهنا يتمكن من التعبير عن جوهر وجوده لذلك يستعين بخطاب كينونة هاملت الذي هو الخطاب الإنساني الكوني بحثاً عن صيرورة الوجود أو جوهره. وهو أمر يستدعي العودة المتوازية مع بحث الآخر (نصفه التراثي) عن جوهر وجوده أيضاً. حيث تتحرك الأنثى لتصبح أوفيليا في إعلانها عن جوهر وجودها من خلال هيئتها الأنثوية بعد أن إرتدت فستاناً أبيض. غير أنها بدون خبرة الإرادة الذاتية للفعل. وهي تعاود الإتصال بنصفها الذكوري بدعوته إلى كأس من دم قلبه. وعند إقتراب الكأس من شفتيه ينفر منه، وتحاول إسعافه برشفة من الكأس فينفر مقاوماً رغبتها؛ فتحدث القطيعة حيث تخرج من الفضاء المسرحي خارج القاعة. ولأنها شخص واحد ودم واحد فالعرض هنا يشير إلى إنسلاخ الفرد من ماهيته التي هو عليها لينتقل إلى مرحلة إثبات الذات فينشغل بإلقاء مونولوجه عبر مكبر الصوت، ويسجله على شريط كاسيت. ويعيد إذاعته عبر المكبر تاركاً التسجيل في الفضاء المسرحي متراجعاً إلى الكالوس ليعود في نهاية التسجيل بلعبة لإنسان آلي (روبوت) يملأه بالمفتاح (زنبرك) ويتركه ليمشي في إتجاه الجمهور. ويعاود تغذية حركته كلما توقف. وتدخل هي من ممر الصالة بإنسانها الآلي أيضاً تملأه زنبركياً فيتحرك. يوجهان إنسانيهما الآليين؛ هذا من اليمين وذاك من اليسار فيما يشبه المواجهة التكنولوجية للدول المتقدمة العظمى. ونخلص من ذلك إلى أن المكان والزمان والإنسان كلٌ منها هو مظهر للوجود الجبري الذي لا يكتسب ماهيته إلاّ عبر تفاعلها مجتمعة من خلال قانون الحركة. فمرحلة الوجود الإنساني تبدأ مادياً بالمكان والزمان المتعاقب. هكذا جسد عرض ماكينة هاملت الإنسان ماكينة بشرية من صنع الغيب تستمد حركتها في البداية من خارجها (بزنبرك غيبي) سرعان ما يكسبها التفاعل مكاناً وزماناً، منقسمة أو منفصلة القدرة على تحويل التحريك الذي يدفعهما من الخارج الغيبي أو الغريزي إلى الإعتماد على حركتها الذاتية النابعة من بواعث الأنا ذاتها في مقاومتها للآخر. ولأنه لا مكان بلا زمان، ولا زمان بلا مكان؛ ولا كائن ما يمكن أن يكون بلا مكان ولا زمان، فكذلك يمكن القول بأنه لا هوية لأي من عناصر الوجود الثلاثة تلك دون طاقة متفاعلة تجتهد في خلق هويتها المدركة لدورها في صيرورة ذلك الوجود اللانهائي. وبهذا الوضوح يمكن القول في هذا العرض إن هاملت وأوفيليا وجهان لعملة واحدة بدلالة زيهما الأسود المعاصر والموحد مع إرتباطهما معاً. وكلاهما مشدود من عنقه جبراً نحو الآخر. فهما صورة للإنسان المطلق ، وكلاهما تمثيل يجسد الأنا البشرية قبل إنقسامها إلى أنثى وذكر . وفي ذلك إحالة معرفية تراثية حول فكرة خروج حواء من ضلع آدم أو هي إشارة أسطورية إلى فكرة أفلاطون في تفسيره لعاطفة الحب حيث يرى أن الذكر والأنثى كانا جسداً واحداً ذي وجهين متعارضين... أحدهما في جسم ذكر والآخر في جسم أنثى. وبعد إنفصالهما يحن كل منهما إلى الآخر ، في رغبة جارفة للتوحد الجسدي بقوة العاطفة مرة أخرى. وهنا نصل إلى مغزى العرض ، حيث دائرية الأسلوب ودائرية الدلالة لتأكيد مقولة العرض ، حيث الجبر الإلهي الآلي في البداية ، والجبر الإختياري الآلي في النهاية . الإنسان في رحلة بحثه على طريق تحرره من قيود الجبر الوجودي تحقيقاً لجوهر ذاته في مواجهة الغير سوف يصل في النهاية إلى صنع آلية جبر إختياري ، فيصبح عبداً لإختراعاته .. عبداً للماكينة.