يعتبر صراع العائلات والقبائل من العوامل المؤثرة بقوة فى العملية الانتخابية بالمحافظة، وهو فرس الرهان فى تحديد مصير الفائزين والخاسرين، على حد قول بعض المتخصصين فى مجال الانتخابات بالمحافظة، خصوصا فى الدوائر التى تنتشر بها مثل هذه الروابط، كدوائر مثل العامرية والدخيلة وغربال ومينا البصل ومناطق أبيس فى محرم بك والمنتزه، والذى يلتزم غالبية سكانها بروابط عصبية وقبلية . فيما يختفى دور هذه العصبيات فى دوائر أخرى مثل المنشية وباب شرق لعدم وجود أى تجمعات لجمعيات أبناء المحافظات الأخرى، فسكانها من الطبقة الراقية أو المتوسطة وأغلبهم من المثقفين وأصحاب الرأى ورجال الأعمال وسيداتها من المعنيات بالعمل الجماهيرى والخيرى. فى البداية، يقول أسامة محمد إسماعيل، مراقب انتخابات سابق بدائرة غربال، إن مشاهداته طوال فترة مراقبة الانتخابات السابقة أسفرت عن العديد من الملاحظات، منها أن دائرة غربال تضم العديد من الأطياف والعصبيات، أهمها أبناء الصعيد وأبناء أسوان وأبناء الدقهلية والنوبيون وبعض العصبيات الأخرى، التى تقل نوعا عن سابقيها والتى تتحكم فى مجرى العمليات الانتخابية من بداياتها وحتى وضع الأصوات بالصناديق لذلك فإن مهمة أى مرشح تكون صعبة جداً إذا لم يستطع أن يفتح قنوات اتصال مع هذه العصبيات ذات الثقل الانتخابى. وأشار أسامة إلى وجود بعض العائلات ذات الثقل الانتخابى بالدائرة والتى تعتمد على كثرة عدد أبنائها وما تمتلكه كل عائلة من بطاقات انتخابية، بالإضافة إلى مدى تأثيرها على العائلات والأسر الأخرى بالدائرة. وأوضح أسامة أن العائلات والعصبيات بدأت التفكير فى الدفع بمرشح من أبنائها فقامت جمعية أبناء الدقهلية بترشيح محمد سلامة حمادى، على مقعد العمال تحت شعار «نحن أولى بأصواتنا» وتعد منطقة نادى الصيد وأطراف الدائرة من المناطق ذات ثقل التصويت فى الانتخابات، وتقل أهمية هذه العصبيات كلما اتجهنا وسط الدائرة وكلما ارتفع المستوى التعليمى والاجتماعى. ويقول أحمد عبدالعزيز، أحد سكان دائرة مينا البصل، إن الدائرة يسيطر عليها كتلتان انتخابيتان ينتميان لأهالى الصعيد وهما «العرابة» و«جهينة» والأخيرة يمثل أبناؤها أكثر من 60 بالمائة من سكان الدائرة «العصبيون» يحوزون معظم التذاكر الانتخابية وتتباهى العائلات فيهم بعدد التذاكر التى تحوزها العائلة وهو ما دفع الحزب الوطنى لاختيار كل من عبدالحليم علام ومحمد رشاد عثمان على مقعدى الفئات والعمال بالدائرة لانتماء كل منهما إلى أبناء الصعيد وتحديدا لأهالى جهينة وهو ما يسهل عملية الفوز بالمقعد. وأوضح عبدالعزيز، أنه على الرغم من النزعة العصبية والقبلية فإن الناخبين أصبح لديهم قدر من الوعى لاختيار مرشحيهم، فالقرابة وحدها لا تكفى ولكن لابد أن يكون للمرشح تواجد بالدائرة ودراية كاملة بدوره تحت قبة البرلمان. وتابع إبراهيم سعيد«محام»: العصبيات فى الماضى كانت تسعى لتأييد المرشح، الذى يدافع عن مصالحها ويستطيع أن يقدم لها أكبر قدر من الخدمات، أما الآن تقوم بترشيح أبنائها فقط فظهرت بعض المقاعد بمجلس الشعب محجوزة مسبقا باسم عائلة معينة يتوارث أفرادها المقعد، دون أن يجرؤ أى مرشح على منافستها، وتعتبر الانتخابات الحقيقية هى التى تتم داخل العائلة لاختيار مرشحها، حيث لا يذهب المقعد لأى مرشح خارج العائلة، لافتا إلى أن واقعة ترشيح الدكتور توكل مسعود، مرشح جماعة الإخوان المسلمين فى العامرية 2005 من الوقائع الشهيرة بسبب أعمال العنف والشغب التى شهدتها الدائرة قبل أن يتم حسمها لصالح راغب سعداوى. من جانبه، يقول هيثم أبوخليل، مدير مركز «ضحايا» لحقوق الإنسان، إن الحملات والعملية الانتخابية تسيطر عليها عصبيات متنوعة وهى ظاهرة سلبية تؤثر على الانتخابات لأنها فى أحيان كثيرة تمثل عنصر الحسم وتعد من المناطق المغلقة على عائلاتها ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يخرج المقعد عن هذه العائلة، ونادرا ما يقصيها المجمع الانتخابى مهما كانت مرفوضة. وأشار إلى أن أبناء القبائل أو العصبيات غالبا ما يتم ترشيحهم على قوائم الحزب الوطنى من باب شر لابد منه، خاصة أنه فى حالة الانشقاق أو عدم السيطرة يصبحون خطراً عليه بل ويوجهون إليه ضربات قاتلة تفقده كثيراً من المواقع أو المقاعد لذلك بعد نجاحهم على غير رغبة منه يقوم باستقطابهم مرة أخرى. أما الدكتور حمدى حسن، عضو مجلس الشعب الحالى، فيقول إن قوة العصبيات والعائلات والتجمعات فى الانتخابات مرتبط بالنظام الانتخابى، الذى تجرى به الانتخابات، حيث إن النظام الفردى سيعزز تأثير هذه العصبيات وستكون الدوائر فى ظله محددة وضعيفة وسيسهل السيطرة عليها، ولكن يضعف تأثيرها فى نظام القائمة النسبية ويكون الانتماء للأفكار وليس الأفراد أو العائلات. وأشار إلى أن خطر الانشقاق الداخلى والتناحر بين أبناء القبيلة أو العائلة الواحدة، هو أكثر ما يهدد هذه العصبيات، وينذر بتفتت أصواتها لصالح المنافسين، فى هذه الانتخاب، لذلك غالبا ما يتجنب الحزب الوطنى والأحزاب الصدام مع مثل هذه العصبيات وفى بعض الحالات، لعلمه بمدى قوتها وقدرتها على التحكم فى نتائج دوائرها، ويسعى لاستقطابها. ولفت أبوالعز الحريرى، القيادى السابق فى حزب التجمع، إلى وجود العصبيات التى وصفها بأنها ظاهرة سلبية فى كل انتخابات برلمانية، إلا أن وضعها الآن أصبح الآن أكثر صعوبة عن ذى قبل، خاصة مع فرض الحزب الوطنى حصاراً عليهم بالمجمع الانتخابى، إلى جانب أن الانتخابات المقبلة هى أول انتخابات مجلس شعب بعد إلغاء الإشراف القضائى وهى الأخيرة قبل انتخابات الرئاسة فى 2011 والتغير الجغرافى بكل دائرة مثلما حدث فى العامرية وتغيرت تركيبتها السكانية بشكل كبير، تلاشت معها العصبية. ووصف الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، العصبيات بالظاهرة السلبية فى الانتخابات حيث يتم حشد الناخبين تحت مبدأ الالتزام بالكلمة التى التزم بهم كبيرهم دون أى اعتبار لإمكانيات أو أفكار المرشح. وأكد أن العصبيات فى انتخابات الشعب المقبلة مرتبطة بالأساس بمدى توفر ضمانات النزاهة التى ففى حالة توافرها ستزيد نسبة المرشحين المرتبطين بالعائلات، خاصة الذى يتم ترشيحهم مستقلين. وأشار إلى تراجع تأثيرها فى الأعوام الأخيرة بحيث لا يستطيع عمدة القرية أو شيخ القبيلة أو العائلة إجبار عائلته إذا لم يكن لديه أسباب تتفق مع دوافعهم ومصالحهم فى ظل وجود وسائل أخرى من الممكن أن يكون لها تأثير أقوى مثل المال.