يذكّرنى بعض الزملاء الأعزاء فى جريدة الدستور «من جناح الرفض للملاك الجدد» بصحفى دمشقى التقيته ببيروت شتاء عام 2004. كان الرجل -حسب تعبيره - «يخدم» فى مؤسسات إعلامية تابعة للنظام السورى، ويملك من المفردات النضالية والجهادية ما يكفى لإشعال الثورات. يومها كتب مقالاً يهاجم فيه مصر بعنف بعد تهديدات إسرائيلية شديدة اللهجة لسوريا، قلت له: «إسرائيل هى التى تهدد.. وليس مصر؟».. لم يكن السوريون قد خرجوا بعد من بيروت، ووقتها كنت متعاطفاً مع ما كنت أسميه «الصمود السورى» لكنه كان أول من لفت نظرى إلى أن هذا النظام الصامد لم يطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل منذ انتهت حرب أكتوبر، لكن بعض كَتَبته، بحكم الوظيفة، يتناسون تماماً أن العدو هو إسرائيل وأن من يحتل الأرض هو إسرائيل، حتى إنه بعد ذلك بسنوات هاجم مصر بعنف صبيحة هجوم إسرائيلى شهير على مواقع سورية، حتى تتخيل من قراءة السطور أن مصر هى التى قصفت هذه المواقع. ما علاقة كل ذلك بأزمة جريدة الدستور؟ هناك قدر بسيط من الشبه، يمكن أن تستوعبه حين تتابع حالة الهجوم التى يقودها البعض من الزملاء فى الدستور، ضد «المصرى اليوم» كمؤسسة، بالشكل الذى يجعلك تعتقد أن الجريدة، إدارة وتحريراً، كانت ضالعة فى عملية «تصفية» الدستور، أو هى التى باعتها لملاكها الجدد، وقالت لهم «اهدموها على محرريها». وهذا فى حد ذاته موقف عجيب وغير مبرر على الإطلاق، على الأقل بالنسبة لصحفيين يجيدون القراءة المحترفة، ويعرفون أن أزمتهم هناك عند الملاك الجدد، وإذا كان فى الأمر إخراج حكومى فيمكن أن يكون جزء من الأزمة عند الحكومة أيضاً، أما أن يضربك هؤلاء فترد بالهجوم على «المصرى اليوم» فهذا ما يمكن أن تسميه «النضال الدمشقى» فى الأزمة، بأن تنشغل عن خصومك بتلميحات تنفيها الحقائق، حول موقف الجريدة من الأزمة، أو الطعن فى سياستها التحريرية، التى تنقل الخبر كخبر والرأى كرأى. لست متحدثاً باسم «المصرى اليوم»، أو معبراً عن إرادتها كمؤسسة، لكننى قبل أن أكون كاتباً عضو فى مجلس تحريرها، وعندما تصلنى تلميحات مسفة حول «الجريدة» أحزن وأجدنى مضطراً للرد، كأن يقول قائل إنها «صحافة حلوانية» نسبة إلى أحد مشروعات أحد مؤسسيها، دون أن يسأل نفسه لماذا تتحدث عن الحلويات وكأنها «سُبَّة» وليست استثماراً محترماً، ولماذا لا تسميها صحافة «الميديا أو الاتصالات أو الخدمات البترولية أو العقارات أو الإنتاج الزراعى» وكلها مجالات «بيزنس» يعمل فيها أعضاء مجلس إدارة الجريدة، وماالفارق بين أن تعمل لدى ناشر «حلوانى»، وناشر «فرارجى» على سبيل المثال؟ مع وافر الاحترام لكليهما. أيضاً هناك من يسخر من حالة الحياد التى بنت عليها الجريدة سياستها التحريرية، رغم أن هذه السياسة هى التى خرجت من خلالها مقالات تتضامن مع الدستور ومحرريها وتخسف الأرض بملاكها الجدد ودورهم «المشبوه» فى اغتيالها، وهى مقالات للمفارقة يحتفى بها موقع الدستور الذى مازال تحت سيطرة الزملاء المعتصمين فى النقابة، وينقلها عن «المصرى اليوم» سواء مقالات بلال فضل، ود. محمد أبوالغار، ود. محمد البلتاجى، ود. محمود خليل، وسحر الجعارة، وكريمة كمال، ود.طارق الغزالى حرب، ود. طارق عباس، وحمدى رزق، أو د. حسن نافعة، هذا مثال وليس حصراً، إلى جانب رسومات الفنان عمرو سليم قطعاً. لكن المشكلة أن هناك من يطلب منك أن تتضامن معه بطريقته وبأسلوبه هو، وكما يريد تحديداً، أو بطريقة «من ليس معنا مائة فى المائة فهو ضدنا وعدونا»، وهى «أحادية فى التفكير» تجذرت فى مجتمعات الاستبداد، التى ما إن انفتحت فيها ثغرات، حتى انطلقت فى تصنيف الناس والبشر والمؤسسات: هذا خير وذلك شر، هذا معنا وهذا ضدنا. يمكن أن تعترض على ما أكتب، وتختلف معه، تقول إن فى «المصرى اليوم» «كاتب تلفان» حسب رأيك، وقتها ستكون المسألة شخصية جداً ولا تخص إلا صاحبها، أما أن تتهم «البيت كله بالبوظان» فأنت تتجنى على «مؤسسة كبيرة» قامت على أكتاف البشر ونجاحهم الجماعى فى الإدارة والتحرير، ولا يحتكرها زعيم أوحد. «المصرى اليوم» ليست هى مَنْ باع ولا مَنْ اشترى ولا مَنْ «جاب ضلفها».. ومَدَافعكم مستديرة للوراء يا أعزائى.. أم أنكم تفضلونه «نضالاً دمشقياً»..؟! [email protected]