هى رحلة أدعوك سيدى القارئ إليها اليوم تحملنا على متن سطور ليست ككل السطور، سطور حروفها مرايا تخترق انعكاساتها أقصى الضمير، تعرّيه، تُسقط أقنعة الخوف والزيف عن وجه الحقيقة، هى رحلة مُجهِدة ربما، تحملنا على جناحى ألم، وسخرية حزن. تنطلق بنا قاعدة وقاع، نبحث بين دروبها عن ملامح اجتماعية أساسية ضاعت بين ممارسات متعددة ترقد فى هاوية انهيار نفسىّ واجتماعىّ وتصدّع وفساد ثقافىّ وأخلاقىّ تحتشد بكائنات فارغة المحتوى والمضمون القيَمى تحمل عِصىّ الادّعاء والغرور واللاأخلاق، تنهال بها على جسد الموروثات والمبادئ الإنسانية تقتلها لتحملها جنازة على أكتاف (الأنا) تزفّها صيحات النفاق ولطم وبكاء وندب كاذب وأصوات اتهام (حنجورىّ) وأصابع اتهام مشلولة تنخفض فى وجه أنظمة خارج مذبح القيم. ليصيبنى ذلك بإحباط ويأس وخيبة، فأنا و(أستغفر الله مِن أنا) ومنذ تشكّل عندى إدراك الحق من الباطل وشاهدت صوَر القتل والسحل، وأنا أشعر باكتئاب وغضب مكتوم كلما ترددت أمامى كلمة (نظام) حتّى وإن كان نظام حِمْية غذائية أو نظام منزلىّ، مما يضطرنى للتغيير بين فترة وأخرى تمرداً على هذه الكلمة. لذلك لم تكن ولن تكون لى أجندة محاباة سلطوية، حتّى يضىء نور الأمان والسلام والعدل عتمة الزوايا المسكونة رعباً وعدم ثقة. فلتكن رحلة اليوم حواراً صريحاً مع الذات والقارئ هو جزء من الذات. نفكّ معا شفرة الحقيقة بين أنظمة وضياع قيم، وفرط عقد منظومة أخلاقية وانفصام وحدة اجتماعية وقيم كامنة فى وعى الأفراد تعكس ملامح مجتمع وتنظّم سلوكاً وضميراً. وتحويل شباب يعدّ ديناميكية وطن إلى مقلّد ومغيّب فى اللامبالاة. من تراه السبب فى ذلك؟ من وراء قطع الأرزاق وغدر الصديق والزوج والزوجة وخيانة (العيش والملح والحرمات)، ومجازاة الإحسان بالنكران؟ من أغلق باب المروءة فى وجه سائل وغريب؟ من ملأ الكؤوس بخمرة النميمة والغيبة وقذف المحصنات وجعل لحوم البشر وليمة لجياع الرذيلة؟ من كان سبباً فى قطع صلة رحم وعقوق بنوّة وقسوة أبوّة وأمومة؟ من لوّث الحب واستأصل شريانه بين المحبين؟ هل هى الأنظمة التى نأبى إلاّ أن نعلق فشلنا على شماعتها؟ أم نحن الخائفين من مواجهة ذواتنا؟ لا نبرئ الأنظمة من تشجيعها لذلك الانهيار القيمىّ الذى يسهّل لها السيطرة على الشعب، ولا ننكر أيضاً أننا أساس تلك الأخطاء. أما آن أوان الاعتراف بذلك؟ أما من سبيل للتوبة وتطهير النفوس بالحب والرحمة؟ نحن فى مواجهة غد قادم على هام المجهول، ألا نلم شعثنا ونجاهد هوانا بسلاح العفو والإيمان المطلق؟ هل لنا أن نترفع عن كلمة (معلهش واشترى دماغك؟) ترى! بأى مقابل تُشترى الأدمغة وتُباع؟ ولو حصل! من سيدافع عن حق ويغضب لكرامة وينصف مظلوماً؟ ليتنا نشترى موروثاتنا القيَمية المتناثرة فى مزادات الرخص ومصائرنا المتعلقة بخيوط عنكبوت ونستبدل الخوف بالخجل، فالإنسان بلا حياء كنهر بلا ماء. ليتنا نؤمن بأن من لا يستطيع تغيير نفسه لا حق له أن يطالب بتغيير نظام أو غيره. عذراً إن مشيت بكم فى عتمة طريق أو حدّثتكم بما لا يليق إذن لا ضير أن يقوّمنى عاقل عارف بما يليق. إليك: غداً سيأتى بك يوم جديد علىّ بين أحضان نسمة عذراء معطّرة بالأمل.. غداً ستغمر أنفاسك البكر وجه الذكريات المثقل بشيخوخة الأمس.. غداً تدكّ بقدميك معاقل الماضى المتربص بطلعتك.. تطهّر دروب الصبر بخطوتك.. تذيب رذاذ الوهم الخريفى بغيث حقيقتك.. تصلب أشباح الخوف على هام شجاعتك. غداً، أزرع ساعات الوصل فى تربة الانتظار.. أقدّم النذور.. أحرق البخور.. أنثر الشوق.. والعشق حنينا تحت قدمىّ فروسيتك.. غداً تحملنى على هودج القرب ملكة تتخايل فى بلاط رجولتك.