منذ أيام قليلة كنت أؤدي واجب العزاء في وفاة والدة أحد الجيران بالمنطقة ، و على حد علمي منذ آخر عزاء كنت فيه أن الجميع يجلسون في صوان العزاء ما بين مستمع لتلاوة الشيخ أو مُلهياً نفسه في التفكير في أموره الشخصية ، المهم أن يبقى الجميع محافظاً على المظهر العام الذي يتناسب مع مشاعر الحزن و الهم على فقدان الحبيب ، و في هذا اليوم الغير عادي جلست في الصوان بجوار مجموعة من الشباب بعضهم في مثل عمري و البعض الآخر أصغر مني بعامين أو ثلاثة أعوام ، الذي حدث أنني في منتصف التلاوة فوجئت بأن الموبايل الخاص بأحد هؤلاء الشباب يصدر نغمة " إن مكنتش إنت تدلعني مين هيدلعني " ، هذا الشاب - المهم جداً - نسي إغلاق الموبايل الخاص به !! لكن لا بأس ... جلّ من لا يسهو ، بعد قليل أخرج شاب آخر الموبايل من جيبه و أجرى مكالمة سريعة و لكني في الحقيقة لست متأكداً ما إذا كان هذا الشاب هو من أجرى الإتصال أم أن هناك أحداً إتصل به ، لكني قلت لنفسي أيضاً لا بأس ، و لكن عندما تكرر هذا الموقف أكثر من مرة بين هؤلاء الشباب تذكرت وقتها جملة فيلم الكيف المشهورة " إنت جاي تعزي ولا جاي تهرج؟ " و في نفس الوقت إنتابني الكثير من الغرور و الإعتزاز بالنفس ذلك أن هؤلاء الشباب و الذي كنت أحسبهم من أصحاب العقول الفارغة و الحياة المملة هم في الحقيقة رجال أعمال و على درجة كبيرة من الأهمية . نعم .. نعم .. أنا أمزح فقط، فهؤلاء ليسوا سوى مجموعة من الشباب " الِروش " الذي ما زال معظمهم يعيش على مصروف يأخذه من والده ، و أراهم كل يوم جالسين في أحد مقاهي الإنترنت يديرون أعمالهم .... أفصد يلعبون " بلاي ستيشن " ، الشاهد في كلامي أن كثيراً من الشباب أراهم يومياً سواء في وسائل المواصلات أو في الطريق أو حتى في العمل يمتلكون أكثر من موبايل بشرط أن يكون أحدهما من النوعية المنتشرة في السوق المصري هذه الأيام و التي يمكن وضع شريحتين بها ليعمل على شبكتين من شبكات المحمول ، أي أن هذا الشاب - المهم جداً - يستعمل في المتوسط ثلاثة خطوط !! لماذا ؟؟ ما الذي سيحدث للكون إذا إتصل به شخص ما و وجد هاتفه خارج نطاق الخدمة ؟؟ ما الذي الكارثة التي ستصيب البشرية إذا إتصل به شخص ما و وجد هاتفه غير متاح ؟؟ و هل ستختلف الأمور عن ما إذا كان الإتصال من ولد أو من فتاة ، و لعل هذا ما جعلني أبحث عن عدد مستخدمي المحمول في مصر و صدمت عندما علمت أن تقرير مركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار بمجلس الوزراء يفيد بأن عدد المشتركين فى خدمة المحمول فى مصر وصل إلى 57،7 مليون بنهاية مارس 2010، هذ الرقم المهول و هذا الإستخدام الفظيع و الغير مبرر من شعب يعاني من فقر و سوء أحوال المعيشة و غلاء في الأسعار و بطالة و غيرها من المشاكل التي تكسر الظهر ، و لكنه و مع هذا كله يجب أن يكون لديه موبايل من أغلى الأنواع أو يكون له إثنين و ربما ثلاثة و لا مانع من أن يغير الموبايل كل عام و يشتري الأحدث و إذا سألته لماذا تحمل أكثر من موبايل و لديك أكثر من رقم فإنه يخبرك و هو ينظر إليك كأنك مختل عقلياً " لأنني قد أكون في مكان ما و لا توجد به إشارة لأحد الشبكات فيمكنك الإتصال بي على أي من الرقمين الآخرين " !!! ، الجدير بالذكر أن نسبة مستخدمي الموبايل في أمريكا هي 10% فقط من الشعب الأمريكي و نفس النسبة تقريباً في دول الإتحاد الأوروبي مع أن الفرق الإقتصادي و المستوى المعيشي مختلفة تماماً عن مصر ، الأمر الذي يجعلني مستفزاً من أسلوب التفكير لبعض فئات الشعب التي تشتكي من إنخفاض مستوى المعيشة و في نفس الوقت توفر كل مليم لتشتري أحدث الموبايلات بأغلى الأسعار كأن الموبايل أصبح من السلع الأساسية و من لوازم البيت العصرية و أهم من الماء والهواء والطعام والحياة نفسها . بقلم م / مصطفى الطبجي