محافظ الجيزة يتفقد سير الدراسة وتسليم الكتب ويؤكد: منع الإشغالات بمحيط المدارس    رد الجنسية المصرية ل 12 شخصا بقرار من وزير الداخلية (الأسماء)    وزير الدفاع يشهد مشروع مراكز القيادة الإستراتيجى التعبوى    «فرص لوظائف عالمية».. وزير التعليم العالي يهنئ «النيل للهندسة بالمنصورة» لاعتماده من «ABET» الأمريكية    إلغاء أكثر من 30 رحلة من وإلى مطار بيروت اليوم    محافظ أسيوط يتفقد مزرعة الوادى للوقوف على سبل تطويرها    انخفاض المؤشر الرئيسي للبورصة ببداية تعاملات اليوم الثلاثاء    المشاط: إصلاح الهيكل المالي العالمي ضرورة من أجل مستقبل عادل    بزشكيان يحذر من تحويل لبنان إلى غزة ثانية بسبب إسرائيل    قوات الاحتلال تعتقل 25 فلسطينيا من الضفة    أخبار الأهلي : ثنائي جديد على أبواب الرحيل عن الأهلي بعد السوبر الأفريقي    موتسيبي: التمويل سبب أزمة الكرة الإفريقية    «كان أكرم من الجميع».. شوبير يشيد باعتذار أحمد بلال لنادي الزمالك    هاني رمزي: مواجهة السوبر الإفريقي متكافئة.. ومشاركة داري مع الأهلي لن تكون مفاجأة    المشدد 3 سنوات لموظف سابق في قضية تلقي رشوة مالية    هل تعود درجات الحرارة للارتفاع مرة أخرى الأسبوع المقبل؟.. «الأرصاد» توضح    اختلاط مياه الصرف مع الوصلات المنزلية.. محافظ أسوان يكشف أسباب إصابت النزلات المعوية    الذكاء الاصطناعي وعالم الفن، في العدد الجديد من مجلة مصر المحروسة    لمواليد برج العذراء.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2024    رئيس جامعة القاهرة يستقبل وفد جامعة جوان دونج الصينية لتعزيز التعاون المشترك    بالفيديو.. أسامة قابيل للطلاب: العلم عبادة فاخلصوا النية فيه    جولة مفاجئة لوزير الصحة بالمستشفى القبطي ومكتب صحة الفجالة.. ماذا اكتشف؟    انطلاق العام الدراسي الجديد.. كيف تمنع خمول طفلك بعد تناول الطعام؟    الصحة: حصول 3 مستشفيات على شهادة اعتماد الجودة من ال GAHAR    غارات جوية إسرائيلية تستهدف عدة بلدات جنوب لبنان    أبو الغيط يوقع مذكرة تفاهم الجامعة العربية ومنظمة التعاون الرقمى بنيويورك    رئيس حكومة إسبانيا يعرب عن"قلقه البالغ" بشأن التفجيرات الإسرائيلية بلبنان    وزارة الداخلية تقرر إبعاد 2 أجانب خارج مصر    بعد قليل.. الحكم على البلوجر سوزى الأردنية بتهمة سب والدها على الهواء    إصابة 4 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين على الطريق الزراعى الشرقى بسوهاج    الخطوط القطرية تعلق رحلاتها من وإلى بيروت حتى يوم غد    العراق والولايات المتحدة يبحثان تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    لهذا السبب..إيمي سمير غانم تتصدر تريند " جوجل"    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    معلومات الوزراء: التكنولوجيا المالية ثانى أكثر صناعة مُنتجة للشركات الناشئة    وزير الإسكان يتابع موقف توفيق الأوضاع بالأراضي المنضمة لأحوزة المدن الجديدة    نجم الأهلي السابق يكشف توقعاته لمباراة القمة في السوبر الافريقي    وكيل ميكالي: الأرقام المنتشرة عن رواتب جهازه الفني غير صحيحة    نجيب ساويرس: ترامب وكامالا هاريس ليسا الأفضل للمنطقة العربية    30 قيراط ألماظ.. أحمد سعد يكشف قيمة مسروقات «فرح ابن بسمة وهبة» (فيديو)    مدين ل عمرو مصطفى: «مكالمتك ليا تثبت إنك كبير»    محمد على رزق يوجه رسالة للشامتين في حريق مدينة الإنتاج: «اتعلموا الأدب في المصايب»    مريم الجندي: «كنت عايزة أثبت نفسي بعيدًا عن شقيقي واشتغل معاه لما تيجي فرصة»    غدا.. افتتاح معرض نقابة الصحفيين للكتاب    قنصل السعودية بالإسكندرية: تعاون وثيق مع مصر في 3 مجالات- صور    السيطرة على حريق باستراحة تمريض بسوهاج دون إصابات    مروان حمدي يكشف كيف ساعده الراحل إيهاب جلال في دراسته    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    هل منع فتوح من السفر مع الزمالك إلى السعودية؟ (الأولمبية تجيب)    وزير الأوقاف يستقبل شيخ الطريقة الرضوانية بحضور مصطفى بكري (تفاصيل)    محارب الصهاينة والإنجليز .. شيخ المجاهدين محمد مهدي عاكف في ذكرى رحيله    الآن رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والشهادات الفنية (استعلم مجانا)    أحمد موسى يناشد النائب العام بالتحقيق مع مروجي شائعات مياه أسوان    طريقة عمل الأرز باللبن، لتحلية مسائية غير مكلفة    خالد الجندي: بعض الناس يحاولون التقرب إلى الله بالتقليل من مقام النبى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خد جثة أبوك من عند الريس
نشر في المصري اليوم يوم 25 - 08 - 2010

لفت نظرى نقل مكان التعازى الخاص بالنخبة المصرية أو من يريدون أن يكونوا ضمن النخبة من مسجد عمر مكرم فى وسط البلد إلى مسجد آل رشدان فى مصر الجديدة بالقرب من بيت الرئيس. الهدف واضح، هو أن يصادف خروج الريس أو أحد أبنائه للذهاب إلى مكاتبهم مع توقيت الجنازة، المهم أن يكتب فى النعى: حضر الجنازة جمال مبارك أو علاء مبارك، ولولا بُعد المسافة والملامة،
لأخذ بعض السوقة فى مصر من الأغنياء الجدد جثث آبائهم وأمهاتهم إلى شرم الشيخ كى يحضر الرئيس الصلاة على الميت. نقل مكان التعزية من عمر مكرم إلى مسجد آل رشدان، يحتاج إلى مجموعة من علماء الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والطب النفسى (السيكولوجى) لتشخيص حال ما يجرى فى مصر هذه الأيام.
ولجماعتى من أهل الصعيد أقول إن العزاء فى القاهرة ليس كمجلس العزاء عندنا يا جماعة، فقد قادتنى قدماى ذات مرة لتقديم العزاء فى المسجد المذكور، فلم أر جنازة بل رأيت ما يشبه الأفراح أو العزائم عندنا، ناس بتسلم على بعضها بالأحضان، وبتتكلم فى السياسة والفن، وموبايلات بترن، ويرد أحدهم: «أهلا يا باشا، إحنا فى مسجد آل رشدان، إنتو جايين علشان نروح بعد كده الفورسيزون نتعشى».
شىء غريب أن علية القوم (كما يوصفون) لا يقدرون للموت هيبته ولكنهم مغرمون بأمور الدنيا إلى الحد الذى تحس فيه بالخجل أنك أتيت إلى هذا المكان، كل الوجوه متعلقة بابن الرئيس أو الوزير الفلانى أو العلانى الذى يجلس إلى جوارك، ثم تأتى مجموعة من الراغبين فى الترشح على قائمة الحزب، وفد من النواب السابقين واللاحقين، وترى «السبع» منهم وهو «يتمسح» فى شاب لم يبلغ الأربعين من العمر لأن بيديه الطريق إلى دنيا الرئيس، أو فى يده دفاتر الحزب، شىء من السوقية لا تراه فى أى مكان فى العالم.
سألنى أحدهم: كيف شكل العزاء فى أمريكا وبريطانيا؟ قلت له إننى أقف مصدوما أمام المشهد، فهذا ليس بالعزاء المصرى الذى أعرفه، ولا هو بالأوروبى الذى يضفى على الموت وقاراً، ولا الأمريكى الذى تحس فيه بالحزن وألم الفقدان فعلا، هذا خليط عجيب من السوقية الثقافية التى تشبه عربة الكشرى الملونة على ناصية أحد الشوارع الشعبية، فكيف تحول بعض المصريين من شعب له أخلاق وقيم واضحة فى الحزن والفرح، إلى شعب لا طعم له ولا رائحة، وكيف أصبح موت أعزائهم جسرا اجتماعيا للوصول إلى مطامعهم؟
فى الصعيد ينصب العزاء إلى جوار بيت الموت أو فى داخله وترى الفجيعة صارخة فى طين البيوت وسعف النخيل وسواد العيون، ولكن الأمر ليس نفسه فى جميع مصر، فقد يموت رجل فى شربين أو بنها مثلا، ومع ذلك يتقبل أهله العزاء فى مسجد آل رشدان، والهدف كما يعرف الجميع، أن يتعثر الرئيس أو أحد أبنائه فى طريقهم بالجنازة فيدخلوا المسجد وبعدها يخرج صاحب العزاء على الفضائيات ليشكر الرئيس وأبناءه على تقديم واجب العزاء!
من المفهوم أن يكون عزاء شيخ الأزهر المرحوم محمد سيد طنطاوى فى عمر مكرم، فهو شيخ الأزهر، أما أن يقام عزاء والدة الفنان الفلانى، أو شقيق لاعب الكرة العلانى فى عمر مكرم، فهو أمر غريب، فهل المتوفى هو شخصية وطنية كبيرة تستوجب هذا الاستقطاب الإعلامى، أم أنها مجرد محاولة للتباهى عن طريق الجثث؟
هذا النوع من الخيال يسمى فى الأدب ال«مكابر» بالإنجليزية، خيال موت وخيال مريض، وربما الكلمة الإنجليزية لها ارتباط بكلمة المقابر العربية، أو العكس هو الصحيح. فى مصر اليوم تنتشر ظاهرة أساسها الخيال القبيح، أو المظاهر المقززة التى لا تتوانى عن المتاجرة بأى شىء وكل شىء بما فيها أجساد الراحلين.
يا أخى ماذا لو لم يعز الرئيس فى أبيك أو أمك، هل سيحييهما عزاء الرئيس مرة أخرى؟ أو حيموتوا زيادة على موتهم؟ لا أعرف ما الذى حدث للبعض منا هذه الأيام حتى ينتابهم خيال السوقة، أم أنهم سوقيون منذ زمن وأنا آخر من يعرف.
أما حكاية الناس التى تموت بالبنط العريض على صفحات الصحف وبالبرواز الأسود إياه، فتلك فئة لا أدرى هل ندعو أن يرحمها الله أم أن يرحمنا منها. الموت له جلال وليس لائقاً أن نتاجر بموتانا، أم أن هذه الظاهرة امتداد لما تفعله جماعة الآثار من عرض جثث أجدادنا المصريين القدامى فى ساحات الميادين العالمية من أجل الشهرة الفردية تحت مسمى الترويج للسياحة؟
وهل اهتدى العقل المصرى، ونتيجة لتكرار عرض جثة توت عنخ آمون وغيره من ملوك الفراعنة، أن يسلك السلوك نفسه فيعرض جثة أبيه (بشكل رمزى) من خلال إقامة العزاء لوالده إلى جوار بيت الرئيس؟ تساؤل سيكولوجى نحتاج للإجابة عنه من أهل العلم والاختصاص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.