فى الاحتفال بعيد الرياضة الأول، وفى ظل حالة فريدة من حالات السلام النفسى لعب الدكتور أحمد نظيف مباراة فى كرة القدم وأخرى فى كرة اليد – بنادى القرية الذكية – شاركه فيها عدد من الوزراء، أبرزهم وزراء التربية والتعليم والبترول والتنمية الإدارية، بالإضافة إلى الكابتن حسن شحاتة المدير الفنى للمنتخب وشوقى غريب المدرب العام، وعدد من نجوم الرياضة. وقد فتح الله على «فريق الحكومة» فى المباراتين وكلل جهود رئيسها ووزرائها بالتوفيق، فكان الفوز حليفه فى الأولى بأيدى الدكتور نظيف، وفى الثانية بأقدامه، وتعالت هتافات الجمهور من طلاب المدارس والجامعات مشيدة بالأداء «النظيف» للحكومة!، وسعيدة وفى قمة الانبساط بالعيد الأول للرياضة الذى قررت الحكومة أن تحتفل به رسمياً فى الثالث من مارس من كل عام، انطلاقاً من إيمانها بأن «العقل السليم فى الجسم السليم» كما أكد الدكتور أحمد نظيف فى لقاءاته الإعلامية التى أجراها بعد المباراة. وإن تعجب فعجب أمر من استغربوا من قيام الوزراء ورئيسهم بالمشاركة فى هذا «الماتش»، خصوصاً أن هذا الشعب الطيب محب للكرة حتى النخاع، ولأن الحكومة هى الأخرى تحب شعبها، فهى تحاول أن «تلاغيه» بمثل هذه التصرفات، فهى تعلم أن «الكورة» أكثر شىء يمكن أن «يعكنن» مزاج المصريين، لذلك لا تبخل – مطلقاً - بجهدها المتواصل من أجل تصحيح أوضاع اللعبة الشعبية الأولى حتى تضبط المزاج المصرى الأصيل. وليست تلك المرة الأولى التى تلقى فيها الحكومة بأيديها أو بأقدامها فى عالم الرياضة، فقد سبق أن تشكلت لجنة لبحث أسباب إخفاق الرياضيين المصريين – فى شتى اللعبات – فى الدورة الأوليمبية الأخيرة، وهناك جهود سياسية تبذل على أعلى المستويات من أجل المساهمة فى إخراج نادى الزمالك من كبوته، فالحكومة «الطيبة» تستوعب «حرقة الدم» التى يعيشها جمهور الزمالك حالياً، لذلك تبذل جهودها من أجل حل مشكلته و«ترويق دمه»!. رئيس الحكومة ووزراؤه يا سادة على دين شعوبهم المحبة للكرة والرياضة، وأتصور أن الكثير من أصدقائهم ومستشاريهم ينصحونهم باستمرار بالظهور فى عالم «الكورة» وحضور المباريات، والإعلان عن انتماءاتهم الرياضية (كما فعل الدكتور نظيف الذى أعلن عن أهلاويته) لأن «الكورة» هى البوابة الملكية للعبور إلى قلوب الملايين. ليس من حق أحد أن يتعجب، فالوزارة تلعب مثلما يلعبون، وتفرح بالأهداف الوهمية مثلما يفرحون، وبالتالى فالعبارة التى تقول إن «الناس على دين ملوكهم أو حكامهم أو وزرائهم» لابد أن يعاد النظر فيها، بعد أن أثبتت الحكومة المصرية أنها على دين شعبها وناسها، لتضرب بذلك نموذجاً رائعاً للممارسة الديمقراطية!، وقبل أن يلوم المواطن الحكومة على «لعبها» عليه أن يلوم نفسه. فالمواطن الذى يهمل فى صحته مثلاً يجب عليه ألا يلوم وزير الصحة الذى يهمل فى رعاية صحة المواطنين، فالوزير يمارس هنا كما يمارس المواطن، فإهماله يرتبط بإهمال الأخير، والمسؤول رجل ديمقراطى يعيش على دين شعبه، والأب الذى يهمل فى تعليم أبنائه يجب ألا يلوم وزير التربية والتعليم – الذى لم يوفقه الله فى إحراز هدف فى مباراة الثلاثاء الماضى – عندما يخفق فى النهوض بالتعليم فى مصر، عليه ألا يشكو من الإهمال فى المدارس، أو من «الفاولات» التى يرتكبها المدرسون ضد التلاميذ، أو ضربات الكادر الجزائى التى يوجهها المسؤولون بالوزارة إلى المدرسين ليزيدوا حالة الاحتقان لدى المعلم فيصبح أكثر شراسة ضد التلميذ «الغلبان» المقهور بمقررات تعليمية تستهدف التطوير من خلال «التعقيد»!، ليس من حق المواطن أن يلوم وزير التعليم الذى يهمل فى حل المشكلات، لأنه رجل ديمقراطى يسير على دين مواطنيه!. الحكومة من حقها أن تلعب مثلما يلعب المواطن، وتهمل مثلما يهمل المواطن، و«تكبر دماغها» مثلما يفعل المواطن، ومن البديهى أن تكون الحكومة أعلى كعباً من هذا المواطن البائس فى النهاية. لذلك لم يكن عجيباً ولا مدهشاً أن ينال فريق الحكومة «ركلة جزاء» فى مباراة كرة القدم التى حكمها الكابتن «عصام عبدالفتاح»، وأن يترك الجميع مهمة تسديدها لكابتن الفريق «الدكتور نظيف» ليسجل هدف الفوز للحكومة التى اختارت أن تكون المباراة على ملعب نادى القرية الذكية!، تلك القرية المسؤولة عن تطوير الكيانات التكنولوجية الواعدة، وخصوصاً فى مجال المعلومات والاتصالات، ذلك هو الهدف الرئيسى للقرية الذكية التى كان أهم حدث شهدته منذ إنشائها عام 2001 هو مباراة كرة القدم التى فاز فيها فريق الحكومة مؤخراً!. لعل الجميع يعلم أن «إيران» – الدولة التى ندخل معها حالياً فى خصومة سياسية عنيفة – أطلقت منذ عدة أيام أول قمر صناعى إيرانى تم تصنيعه بتكنولوجيا وطنية خالصة، وقد تزامن مع هذا الحدث حدث إطلاق، ولكن من نوع آخر، فى مصر، إنه إطلاق قناة «النايل كوميدى». وكما كانت الحكومة الإيرانية على دين شعبها الذى يستهدف التطوير والتحديث، والصمود فى وجه التحديات الدولية التى يواجهها، وتحقيق أحلامه الإقليمية، كانت الحكومة المصرية أيضاً على دين شعبها «ابن النكتة»، لذلك فالحكومات فى مصر لا تتغير وأداؤها لا يتطور، لأن الشعب ببساطة واقف محله، لا يتحرك ولا يتعامل مع أموره بالجدية المطلوبة، فالبعض «تسود» الدنيا فى عينيه عندما يهزم الفريق الذى يشجعه، والبعض الآخر يرى أن كل مشاكل الدنيا تهون أمام هدف يحرزه «أبوتريكة» فى مرمى الخصوم. لابد أن نكون أكثر جدية، وأكثر رغبة فى التقدم، وأكثر اهتماماً بحل مشاكلنا الحقيقية، حتى لا نصبح «كرة» تتقاذفها أيدى وأقدام المسؤولين – الأذكياء - الذين يلعبون على دين مواطنيهم!. وقد كان الدكتور «نظيف» ذكياً للغاية عندما لم يسجد شكراً لله على ملعب «القرية الذكية» بعد أن أحرز هدف الفوز لفريق الحكومة، ويبدو أنه سمع عن الفتوى الأخيرة التى أصدرها أحد علماء السعودية وحرم فيها هذا السلوك على لاعبى الكرة، لأن المنظر أمام الناس «مابيبقاش» حلو!.