فى بيانه أمام مجلس الشعب يوم الاثنين الماضى، قال أحمد عز، رئيس لجنة الخطة والموازنة، إن لجنته «أوصت بضرورة أن يكون العمل فى الحكومة من خلال إعلانات ومسابقات تتم بشفافية حتى لا يفقد الشباب الثقة فى فكرة التوظيف العام». والذى لا يعرفه أحمد عز - أو يعرفه ويتظاهر بأنه لا يعرفه - أن التوظيف فى الحكومة وقطاع الأعمال العام، لا يتم إلا من خلال إعلانات ومسابقات، ورغم ذلك تذهب الوظائف إلى الأقارب أولاً، ثم إلى القادرين على دفع ثمن الوظيفة ثانياً، ولم تعد هناك وظيفة عامة فى أى إدارة حكومية أو شركة أو مؤسسة إلا ولها سعر معلن ومعروف، وأصبح من المستحيل على أى مواطن مهما كانت مؤهلاته أو تقديراته، الحصول على وظيفة - حتى بعقد مؤقت - إلا إذا كان قادراً على دفع ثمنها. بيزنس بيع الوظائف فى مصر لم يعد سراً، إنه الفساد الأكثر وضوحاً والأكثر انتشاراً، ولكنه الأصعب إثباتاً، لأن المواطن المسكين الذى اضطر للاستدانة أو بيع بعض ممتلكاته لشراء وظيفة، يظل حريصاً على كتمان السر أكثر من الموظف الكبير الذى تقاضى منه الرشوة مقابل توظيفه. والجديد فى بيزنس التوظيف، هو ما رصده التقرير السنوى الأخير ل«منظمة النزاهة العالمية»، الذى صنف مصر فى المركز 67 من بين 92 دولة من مختلف قارات العالم، خضعت للتقييم، ثم ما رصده تقرير آخر أو دراسة ميدانية قام بها قسم الاجتماع بآداب القاهرة بتكليف من وزارة الدولة للتنمية الإدارية، وقد اتفق التقرير الدولى والدراسة المحلية على أن فساد التوظيف فى مصر أصبح من البدهيات. الأكثر إدهاشاً فيما رصده التقرير وأكدته الدراسة، هو أن المواطن المصرى يتعايش الآن مع الفساد باعتباره الشرط الأساسى لقضاء مصلحة، أو لإمضاء ورقة، أو للحصول على عمل، ويعتقد غالبية المواطنين أن الموظف العام الذى يقضى «المصلحة» دون تعقيد مقابل «إكرامية»، أفضل كثيراً من الموظف الذى يعقد الأمور ويعطل قضاء المصالح. الأعجب من ذلك كله، أن المواطن المسكين الذى يبحث عادة عن «الموظف المتفاهم» الذى يُسهل الأمور، لا يعرف أن الموظف المرتشى علانية هو الفرد الأخير فى عصابة بيزنس قضاء المصالح أو بيزنس التوظيف، وأن الشخص الأكثر أهمية فى إتمام هذه الصفقات هو تحديداً الموظف الذى يتظاهر بالشدة أو بالاستقامة، و هو عادة شخص لديه القدرة على تعطيل أى ورقة، استناداً إلى نصوص القانون الواضحة، ولديه القدرة أيضاً على تمرير الورقة ذاتها، استناداً إلى النصوص القانونية ذاتها، بعد أن يخطره الموظف المتفاهم أن الزبون دفع المعلوم! المضحك فى الأمر، أن التقرير الدولى توقف أمام كثافة القوانين المكافحة للفساد، والأجهزة المختصة بمراقبة الفساد - 17 جهازاً رقابياً - ومنح مصر درجة 54٪ فى بند القوانين والأجهزة الرقابية، التى لا يوجد لها مثيل فى أى دولة أخرى، ولكن مصر رغم ذلك كله، حصلت على تقدير «ض ج» فى بند مكافحة الفساد، وهو الأمر الذى يؤكد أن هذه الأجهزة لا يوجد لها مثيل أيضاً فى انعدام الكفاءة.. أو فى انعدام الضمائر! [email protected]