قبيل صدور مذكرة توقيف بحق الرئيس السودانى عمر البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تتوتر الأجواء فى جنوب السودان لتكون جبهة جديدة محتملة للتوتر السودانى، وبعد اندلاع اشتباكات عنيفة فى «ملكال» بين أحد أمراء الحرب السابقين واتهام حكومة الجنوب للجيش السودانى بالسعى لعودة الحرب الأهلية، التى أنهاها اتفاق سلام عام 2005 بعد عقدين من الصراع فى أكبر دولة أفريقية. وبعد قرابة أسبوع من اشتباكات سابقة فى نفس المدينة، وقعت اشتباكات جديدة الثلاثاء الماضى بين المتمردين السابقين فى جيش تحرير جنوب السودان وأنصار جابريل تانج، وهو زعيم ميليشيا سابق قاتل إلى جانب القوات المسلحة السودانية خلال الحرب الأهلية التى دارت من 1983 إلى 2005. وقالت وزارة الإعلام فى جنوب السودان فى بيان إنه «تم استخدام أنصار تانج لإثارة حرب أهلية جديدة فى جنوب السودان»، واندلع الصراع الأول بعد وصول أمير الحرب السابق فى «زيارة عائلية». وتانج المطلوب لحكومة الجنوب متهم بالاشتراك فى إشعال قتال فى المدينة نفسها عام 2006، مما أسفر عن مقتل 150 شخصا. وكانت قوات تانج تم دمجها فى الجيش السودانى ضمن الوحدة المشتركة بين الشمال والجنوب فى مدينة ملكال، ويعتقد الجيش الجنوبى أن أمير الحرب السابق تمكن من استعادة ولائهم. ووسط التوتر فى الجنوب والنقاشات التى تدور بين الحين والآخر عن الاستفتاء واحتمالات الانفصال واندلاع صراعات محدودة من وقت لآخر، يحاول النظام السودانى التأكيد على قوته وقدرته على مواجهة قرار المحكمة الجنائية بتوقيف البشير حين صدوره، من خلال المظاهرات الحاشدة التى تخرج لتأييد الرئيس، وهو ما يعكس قلقا لدى الحكومة من القرار المحتمل. ويتزامن التوتر فى الخرطوم مع تصريحات متشددة أطلقها خليل إبراهيم، زعيم جماعة العدل والمساواة المتمردة فى دارفور، الذى أعلن رغم «اتفاق حسن النوايا» الذى وقعه فى الدوحة مع الخرطوم، أنه سيعمل على إسقاط نظام البشير حال صدور قرار المحكمة الدولية. وكان المؤتمر الصحفى الذى خرج بعد 8أيام من المناقشات فى الدوحة يشير بوضوح إلى استمرار الخلاف وعدم الثقة بين الحكومة و»العدل والمساواة». وجاءت تصريحات المبعوث الدولى المشترك المعنى بقضية دارفور جابريل باسولى تحمل قلقا وهواجس هى الأخرى، فكان الشكر لإطلاق المفاوضات والتأكيد على أن أبرز ما خرج به، هو تأكد الطرفين على العمل من أجل السودان رغم «العداء المستمر» بين الطرفين، حركة العدل والمساواة والحكومة السودانية. وكأن باسولى خرج ليؤكد استمرار الصراع وليس بداية نهايته، مشددا على أن الوسطاء يفهمون «مخاوف الطرفين». ويدرك كثيرون أن الحركات المسلحة فى الإقليم المضطرب لا تثق فى النظام السودانى وتعمل جاهدة نحو محاكمة رموزه أمام الجنائية الدولية، ولا تثق فى استعداد الخرطوم لاقتسام السلطة والثروات بعد كل تلك السنوات من الحرب، التى استهدفت المدنيين بشكل كبير. وعلى الجانب الآخر تخشى الحكومة أن يأتى قرار المحكمة الجنائية باعتقال البشير خلال الأيام المقبلة ليدعم الحركات المسلحة ويقوض الاتفاق الذى لم يتم بعد، كما تخشى الحكومة من جانب آخر استمرار باقى الحركات خارج الاتفاق، وهو ما يعنى استمرار الصراع على الأرض أو تجديد دعم دولى للمسلحين يغريهم باستمرار القتال أو المطالبة بالمزيد خلال المفاوضات. وكان القلق واضحا فى تصريحات خليل إبراهيم، الذى حرص من خلال شكره للجميع والتركيز على «المجتمع الدولى»، الذى يسعى لمحاكمة البشير، وأمريكا، العدو الأبرز للنظام السودانى، وكأنه يقول إن هناك جهات يمكن الاستقواء بها. وطالب إبراهيم المجتمع الدولى بمزيد من الدعم لتحسين أوضاع النازحين واللاجئين، وهو ما رد عليه نافع على نافع، النائب الثانى للرئيس السودانى بشكل غير مباشر، حين أعلن أن الاتفاق جاء بمثابة «دعم كبير» لجهود الحكومة لتحسين أوضاع النازحين وإعادتهم طواعية إلى قراهم التى هجروا منها، مشددا على أن الحكومة هى من ستتكفل بذلك، ومثنيا على دور الجهود الإقليمية. وعلى الأرض فى دارفور يستمر نزوح اللاجئين وتتفاقم أزمة المدنيين الإنسانية، بينما حذرت مفوضية الأممالمتحدة لحقوق الإنسان من استمرار تدهور أوضاع المدنيين العالقين فى المواجهات المسلحة الدائرة فى مدينة «مهاجرية» بجنوب دارفور بين القوات السودانية والمتمردين. وكان النزاع الذى اندلع فى 15 يناير الماضى أودى بحياة العشرات وشرد عشرات الآلاف بين قوات الحكومة السودانية وجيش تحرير السودان، فصيل مينى ميناوى ضد حركة العدل والمساواة. وأشارت التقارير إلى أن القوات الحكومية شنت هجوماً برياً وقصفاً جوياً استهدف قوات «العدل والمساواة»، التى تمركزت فى مناطق مأهولة مما جعل المدنيين هم ضحايا تلك الجولة من الصراع.