فى عام 1979 وفى أعقاب توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وفى مؤتمر عقده المثقفون المصريون، من كل الأحزاب والتيارات فى مقر حزب التجمع، تقرر تشكيل لجنة جبهوية غير حزبية باسم «لجنة الدفاع عن الثقافة القومية» تنشط فى مجال الدعوة لرفض تطبيع العلاقات الثقافية على الصعيد الشعبى بين مصر وإسرائيل، إلى حين انسحابها من الأراضى التى احتلتها عام 1967، واعترافها بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى.. وفى أول اجتماع للجنة بعد تشكيلها، اقترحت أن تصدر نشرة غير دورية باسم «المواجهة» كوسيلة للتواصل بينها وبين المعنيين بالموضوع.. ووافقت اللجنة.. وكلفتنى بتنفيذ الفكرة. وكانت الفكرة تقوم فى جوهرها على رصد كل ما يتعلق بالتطبيع الثقافى، سواء كان اتفاقيات أو بروتوكولات تكميلية لمعاهدة السلام توقعها الحكومتان، أو كان أنشطة تطبيعية يقوم بها أفراد أو نقابات أو جمعيات أو تصريحات رسمية أو غير رسمية، فضلاً عن تلخيص المقالات والدراسات والكتب التى تصدر حديثاً وتتناول هذه القضية بالتعليق أو بالبحث، والاستعانة فى ذلك بما تنشره المصادر المصرية والأجنبية وبالذات الإسرائيلية التى كانت أكثر احتفاء بالموضوع، والنشر عنه، بحكم اهتمامها الخاص به. وكان الهدف هو توثيق المعلومات الأساسية التى تتعلق بمسألة التطبيع الثقافى لكى تكون متاحة لكل من يعنيهم الأمر. ومع أن الظروف حالت دون صدور النشرة بالشكل الذى قصدته، فقد ظللت لسنوات بعد ذلك، أفتقد هذا النوع من الإصدارات، التى تعنى برصد المعلومات الأساسية، حول قضية أو مشكلة أو ظاهرة، ومتابعة وتحديث كل ما يتعلق بها من تطورات. وخلال السنوات العشرين السابقة، تطورت الأمور إلى الأفضل، وتعددت التقارير التى تعنى برصد أو تجمع بينه وبين التحليل ظواهر بعينها لعل من أبرزها «التقرير الاستراتيجى» الذى يصدره مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام سنوياً منذ عام 1985، والتقارير السنوية العديدة، التى تصدرها منظمات حقوق الإنسان على اختلاف المجالات التى تنشط فيها والتقرير السنوى للمجلس القومى لحقوق الإنسان، والمجلس القومى للمرأة، لكن ذلك واكبه اختفاء تقارير مهمة أخرى، كان من أبرزها «تقرير الأمن العام» الذى تصدره وزارة الداخلية كل عام، و«التقرير القضائى» السنوى، الذى تصدره وزارة العدل، إذ حجبت كل منها تقريرها عن الإطلاع العام وقصرت توزيعه على دوائر ضيقة. ومع أن الشكوى من عدم الشفافية، ونقص المعلومات، وتعمد الحكومة التعتيم على بعض المعلومات، لها ما يبررها، فإن الشكوى من أن كثيرين ممن يبدون آراء فى الشؤون العامة، لا يبذلون أدنى مجهود للبحث عن المعلومات ذات الصلة بالقضايا التى يتخذون فيها مواقف، لها كذلك ما يبررها، وقد أدهشنى أن أسمع عضواً بمجلس الشعب من غلاة المعارضين، يقول فى مناظرة تليفزيونية، حول موقف مصر من الأحداث الأخيرة فى غزة. إن معاهدة السلام مع إسرائيل معاهدة سرية، مع أن نص المعاهدة وملاحقها موجود فى مضابط مجلس الشعب لعام 1979 وفى الصحف التى صدرت آنذاك وفى أكثر من مائة كتاب «تتعلق بها»، فالمشكلة ليست فقط فى نقص المعلومات ولكنها كذلك فى عدم قراءتها، أو الاستناد إليها، حين تكون موجودة ومعلنة.. وتزحم رفوف المكتبات ومواقع شبكة الإنترنت. أما الذى يدعونى للتذكير بذلك، فهو تقرير أصدرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهى إحدى منظمات حقوق الإنسان المصرية، بعنوان: «حرية الدين والمعتقد فى مصر التقرير ربع السنوى الرابع عن عام 2008»، وهو كالتقارير الثلاثة السابقة عليه يرصد كل المعلومات التى تتعلق بالتطورات السياسية والقانونية والمجتمعية التى تؤثر على درجة التمتع بحرية الدين والمعتقد خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2008. ويعتمد على كل مصادر المعلومات المتاحة حول هذا الشأن، ويصنف هذه المعلومات تحت أربعة عناوين رئيسية هي: الأحكام القضائية والمحاكمات أحداث التوتر أو العنف ذى الطابع الطائفى التدخلات والملاحقات الأمنية القوانين والقرارات والتطورات السياسية. ومع أن التقرير الذى أعده فريق بحث يضم «يارا سلام ونادر شكرى وعادل رمضان وحسام بهجت» قد يحتاج إلى قسم خامس يرصد اتجاهات الرأى حول حرية الدين والمعتقد كما تنعكس فى الصحف والفضائيات، خلال الفترة الزمنية التى يرصد وقائعها فإنه يقدم معلومات مهمة، لا يستغنى عنها باحث أو إعلامى أو مشرّع أو صانع سياسة، تعنيه قضية الوحدة الوطنية فى مصر.. هذا بالطبع إذا كانت مشكلة هؤلاء، هى نقص المعلومات.. وليست مشكلة عدم معرفة القراءة أصلاً!