بقدر ما أثار انسحاب رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان من منتدى دافوس العالمى إعجاب العالمين العربى والإسلامى، بقدر ما أثار جدلا بين الكثير من المتابعين للشأن التركى، والمراقبين لمساعيها الحثيثة للانضمام إلى الكتلة الأوروبية، ومحاولاتها المستميتة ترسيخ وضعها كحليف استراتيجى للولايات المتحدة فى المنطقة. وإذا كانت قلة من المراقبين العرب انقسمت حول حقيقة موقف أردوجان، وهو ما انعكس فى طرح مواقع عربية للواقعة فى استطلاع عام للرأى كشف عن وجود عدد ليس بقليل ممن لم يجدوا فى الخطوة عملا بطوليا، فلا شك إذن فى أن بعضا من معارضيه فى تركيا -لاسيما الأكراد منهم- كان لهم رأى آخر. الكاتب والشاعر الكردى هوشنك أوسى، عبر عن رأى قطاع عريض بين الأقلية الكردية فى تركيا، معتبرا أن النظام التركى يتحين الفرص والقضايا العربية منذ فترة طويلة للعب على الوتر الإقليمى فى الشرق الأوسط، بينما عيناه تنظران من بعيد للاتحاد الأوروبى وللحليفة الأمريكية. وحول حديث أردوجان «الجميل» بعد انسحابه من دافوس، احتجاجا على كلمة بيريز، فى موقف ألهب حماس العرب والمسلمين، قال أوسى إنه صادر عن رئيس حكومة ترفض الاعتراف بالأكراد وتحاربهم منذ عام 1925، ولفت إلى أنه فى الوقت الذى كان فيه أردوجان يتحدث عن مجازر إسرائيل فى غزة، كانت المقاتلات التركية تقصف جبال كردستان «بنفس القدر من الوحشيّة». وفى سياق انتقاد أردوجان لتطاول بيريز فى دافوس، تساءل أوسى عما وصفه ب»استخفاف» رئيس الوزراء التركى بحملة المثقفين الأتراك الذين طالبوه بالاعتذار للأرمن عن المذابح التى حصدت مليونا ونصف مليون أرمينى أوائل القرن الماضى، كما لخص الكاتب الكردى موقف أردوجان فى أنه لم يتعد كونه رسالة للأوروبيين مفادها أن الحضور التركى المتنامى فى الشرق الأوسط يمكن أن تستفيد منه أوروبا فى نهاية المطاف. ودلل الكاتب الكردى على ذلك بقوله إن تراكم الأزمات العربية لدى جيران تركيا أسهم فى تقديم أنقرة نفسها كوسيط قادر على حل مشاكل المنطقة، ومن ثم تعزيز موقفها أمام حلفائها الغربيين، والدليل فى ذلك محاولات التدخل فى الخلاف اللبنانى بين قوى «14 و 8 آذار»، والخلاف بين الفصائل الفلسطينية، ومسار السلام السورى، فضلا عن الخلافات المصرية-السعودية، لكنه شدد مع كل ذلك على أنه لا يمكن وصف دورها ب «النزيه» لأنها ببساطة «لا تقف على نفس المسافة من الفرقاء المختلفين». ولم يغفل أوسى المسعى العربى لتقويض النفوذ الإيرانى، الذى حفز النظام التركى -بنظره- على «إيجاد معادل سياسى يمكنه مزاحمة» هذا النفوذ، منتقدا فى هذا الصدد الموقف العربى الذى استجاب بدوره سريعا لتركيا، فأصبح كمن «استجار بالرمضاء من النار»، مشيرا فى الوقت نفسه إلى استفادة تركيا من استرداد مكانتها عربيا وإسلاميا، حال رفض الأوروبيون ضمها، وذلك كى لا تحرم نفسها «دخول المسجد والكنسية»، إعمالًا للمثل التركى الشهير. لذا فإن تصريحات أردوجان التى أطلقها وهو يخرج من دافوس -برأى أوسى- تؤكد أنه «كان يعى تماما أن العرب مفتونون بالأقوال لا الأفعال، وأنهم صاروا منبهرين بالتجربة الأردوجانية لدرجة الهوس»، مدللا على ذلك بالحضور التركى الطاغى فى المزاج العربي، زيا ومأكلًا وثقافة وغناءً وميلودراما.