لو أوصت أم كلثوم بمن يشيعها بألحانه إلى السماء ما اختارت أجمل ولا أروع من صوت المغفور له الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، الذى شيعها بآيات من سورة «آل عمران»، صوت الشيخ الجليل شرخ قلوب المشيعين، عندما وصل إلى الآية 35 «إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّى إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ». كان الشيخ مصطفى إسماعيل حاضرًا ينتظر دوره فى التلاوة على جثمان من عشق صوتها، كان يستمع إليها فى خلوته مرهفا، بين أم كلثوم وقراء القرآن حالة خاصة من الإعجاب، أم كلثوم تلت القرآن فى بواكير حياتها، وأبدعت أيما إبداع. فى وداعها فليتنافس المتنافسون، طال عبدالباسط واستطال وبلغ عنان السماء متألقا يهدى الحيارى فى طرقات عمر مكرم «مسجد الجنازات المعتمد» ظلل الموكب الجنائزى بآيات بينات، يا الله.. أعذب الأصوات يشيع أجمل الأصوات، كان صوت عبدالباسط يملأ الفراغ من حول النعش الأخضر فى جنازة صُنفت بين أعظم الجنازات، تشييع الست كان نحيبا مريعا، أم كلثوم إلى رحاب الله «هناك فيديو نادر لجنازة أم كلثوم بصوت الشيخ عبدالباسط فى متحف أم كلثوم». يؤرخون للجنازات بأن أعظمها كانت لحبيب الملايين جمال عبدالناصر يوم تدفق الهتاف هادرا كالنهر: «يا خالد روح قول لأبوك ميت مليون بيودعوك» حضور جنازة عبدالناصر كانوا أكثر من التعداد والإحصاء، من لم يشيع ناصر حاضرًا شيعه باكيًا فى قعر بيته. جنازة أم كلثوم حضرها أربعة ملايين، ما تخلف عنها أحد من سكارى الصوت الرخيم «هل رأى الحب سكارى..» كانوا يتنادون إلى جنازتها كتناديهم إلى حفلها الشهرى، يستعدون للقاء، كانت مريضة واعتذرت عن حفلها الشهرى، ينتظرون الشفاء والغناء، تلقوا صدمة الرحيل. وكان سرادق الجنازة فى ميدان التحرير أشبه بحفلها الشهرى، الحفل الوحيد الذى التأم بدون حضورها الهياب، فى جانب من السرادق جلس أفراد الفرقة الموسيقية. وفى جانب آخر جلس الفنانون وكبار المعزين «من بينهم نور الشريف وعمر خورشيد وثالثهم الصحفى محمد عبدالقدوس» كانوا شبابًا يافعين ذاهلين، لم يتخلف من كبار المسؤولين سوى الرئيس السادات لغصة فى حلقه وزوجته من الست، أناب عنه مندوبا، السادات كان يحب ويكره، «مقاطع فيديو الجنازة على اليوتيوب تبين حضور ممدوح سالم، وسيد مرعى، وعزيز صدقى، ومصطفى السعيد، وآخرين.. منهم من لقى ربه ومنهم من ينتظر». وفى الصفوف الخلفية جلس الناس العاديون، من غير المشاهير، فلما بدأت الجنازة كانت وكأنها أشبه بالحفل المعتاد يوم الخميس الأول من كل شهر وأم كلثوم فى نعشها تتصدر الجنازة.. أو الحفل! ذكرى رحيل سيدة الغناء العربى أم كلثوم تحييها الأسرة بتلاوة القرآن الكريم صباح – اليوم - الثلاثاء 3 فبراير بمدفنها بالبساتين، لا أعرف لماذا تبكر الأسرة بإحياء الذكرى، الذكرى غدًا الأربعاء، ربما رحلت فى 3 فبراير، يقف المصريون على حرف الوفاة، التشييع من الملحقات. فى كتابها «أم كلثوم كوكب الشرق» الذى كتب مقدمته الرئيس مبارك، والنجم المصرى العالمى عمر الشريف.. تكشف مؤلفته إيزابيل صياح عن وجود عدة تواريخ مختلفة لميلاد أم كلثوم، فجواز السفر الخاص بها الموجود فى متحفها يحدد سنة الميلاد ب 1904، وهناك جواز آخر يؤكد أن التاريخ 1905، وجواز ثالث يحدده ب 1908، لكن هناك تاريخاً وحيداً للوفاة 4 فبراير 1975.. البقاء لله.
