بنك التنمية والائتمان الزراعى أمواله كثيرة و«مشكلاته قليلة»، ولم يلق بآلاف المتعثرين من قبل إلى غياهب السجون، ومعه يعيش فلاحو مصر فى رفاهية وأموالهم فى ازدهار مستمر، وبفضله لا تستورد مصر أياً من السلع الغذائية، وحققت اكتفاءً ذاتياً من القمح، لذلك فإن البنك يرسل الآلاف من شيكارات الأسمدة إلى شون المراكز.. ولا يرسل معها أذون الصرف للفلاحين، لتبقى فى المخازن حتى تفسد، وتظل الأراضى فى احتياج لها حتى تبور، ويصرخ الفلاحون من حالة «خراب البيوت» دون مغيث. هذا هو واقع الحال الذى تجسده أزمة يواجهها فلاحو مركز بدر بمحافظة الشرقية، فهم يحاولون صرف الأسمدة منذ أغسطس الماضى بلا فائدة، الأمر الذى يهدد 250 ألف فدان بالبوار، «المصرى اليوم» كانت هناك، ورصدت الأزمة بالتفاصيل. «إحنا بيوتنا هتتخرب وعيالنا هتتشرد لو الأراضى بارت»، بتلك الكلمات بدأ لطفى سعد العربى - أحد المزارعين - حديثه، وأضاف: «الأرض هى مصدر رزقى الوحيد بعد أن تركت وظيفتى ضمن مشروع مبارك لشباب الخريجين وحصلت على 5 أفدنة، ومنذ ذلك الوقت أسخر كل وقتى ومجهودى لتلك الأرض. ولكننى فوجئت بأن البنك لا يصرف لنا الأسمدة التى يرسلها إلى المخازن التابعة لكل مركز، وبدأت أنا ومئات المزارعين فى رحلة البحث عن الأسمدة بكل المخازن، وأصبت بالإحباط عندما علمت أن الأسمدة موجودة فى المخازن، والبنك لم يأمر بصرفها لنا، لذا أضطر ومعظم المزارعين، إلى شراء السماد من تجار السوق السوداء، بضعف الثمن بعد أن يجبرونا على إمضاء شيكات بالمبالغ المستحقة علينا». ومحمد سالم، أحد الفلاحين، لم تعد مشكلته فى عدم حصوله على السماد فقط، وإنما امتدت إلى عدم الاعتناء بأرضه بسبب تغيبه عنها كل يوم بحثاً عن السماد، وقال: أقرب منفذ توزيع سماد يبعد عنى 80 كم، لذا أضطر إلى الاستيقاظ مبكراً جداً، وأتجه إلى المخزن انتظاراً لقرار صرف الأسمدة دون جدوى، ولا أعلم لمصلحة مَنْ تظل تلك الكميات الهائلة من السماد فى مخازن البنك أمام أعيننا ولم يتم صرفها حتى طالها التلف، وانفجرت بسبب تعرضها لأشعة الشمس. «ما يقرب من 250 ألف فدان معرضة للبوار بسبب إجراءات روتينية لا فائدة منها»، بتلك الكلمات بدأ محمد عبدالمجيد برغش، رئيس مجلس إدارة جمعية السلام التعاونية بمركز بدر، حديثه، واستطرد قائلاً: «قدمنا العديد من الشكاوى بسبب عدم حصولنا على الأسمدة اللازمة لأراضينا دون جدوى، وكلما توجهنا إلى أمين المخزن لصرف حصصنا من الأسمدة أجابنا بأنه ينتظر رد بنك التنمية الزراعى». وأضاف برغش: «المشكلة الأكبر أن البنك يرسل لنا كميات كبيرة من اليوريا، وهى تضر الأرض ولا تنفعها، وقد أرسلت خطاباً إلى رئاسة الجمهورية أشكو فيه من فرض سماد اليوريا علينا، مع أنه علمياً غير صالح لتسميد الأراضى الصحراوية، وبعدها أرسل هذا الخطاب إلى وزارة الزراعة لدراسته. وبالفعل أرسل مركز البحوث الزراعية رداً - حصلت المصرى اليوم على نسخة منه - يفيد بأن إضافة سماد اليوريا للأراضى الصحراوية يفقد منها كميات كبيرة سواء بالتطاير أو الغسيل فى باطن الأرض، مقارنة بمصادر الأسمدة الأزوتية الأخرى»، واستطرد برغش: يبدو أن المسؤولين يحرموننا من الأسمدة الأخرى لأن العمولة - حسب قوله - من شرائنا لليوريا أعلى من غيرها من الأسمدة، حيث تُحصل جمعيات الاستصلاح عمولة من الفلاحين تصل إلى 1.25٪ من إجمالى قيمة الأسمدة الموردة. وعن عدم صرف الأسمدة للمزارعين، أوضح سيد حلمى عوض، أمين الشونة بمنفذ الكفاح، أن بنك التنمية الزراعى أرسل له فى شهر أغسطس الماضى 7 آلاف طن أسمدة، عبارة عن 5836 شيكارة يوريا فيريمكس، و13 ألف شيكارة سينافيرت 2، و2215 سينافيرت 1، و5826 شيكارة نترات فيريمكس، ولم يرسل له منذ ذلك الحين أى إذن لبدء صرف تلك الأسمدة على المزارعين، وتابع عوض: «يتوافد علىّ مئات الفلاحين يومياً يطلبون أن أعطيهم حصصهم من الأسمدة لأن أراضيهم أوشكت على البوار، حتى إن أعدادهم الكبيرة تصل إلى نهاية الشارع. ولكننى لا أستطيع أن أنفذ طلباتهم ما لم أحصل على إذن الصرف، ولا أعلم لماذا لم يرسله البنك إلى الآن، خاصة أن العوامل الجوية أدت إلى تلف المئات من شكائر اليوريا ولم تعد صالحة للاستعمال». عبدالحميد محمد أبوالعينين، رئيس الجمعية المشتركة للخريجين بمنطقة التحدى، يرى أن حل تلك المشكلة يكمن فى أن يرسل البنك حصص الفلاحين من الأسمدة إلى الجمعيات التعاونية التى يتبعونها، وتقوم بدورها فى توصيل الأسمدة إلى المستحقين. وأضاف: تلك هى الطريقة المتبعة فى كل المراكز المحيطة بنا، خاصة أن عدد منافذ التوزيع التابعة لبنك التنمية الزراعى محدودة، مما يؤدى إلى تكدس الفلاحين فى طوابير أشبه بطوابير العيش، بالإضافة إلى أن ذلك سيضمن لنا حقنا فى طلب أنواع الأسمدة التى تحتاجها أراضينا، فالمزارعون يتحايلون على الموقف بأن يبيعوا حصصهم من اليوريا فى السوق السوداء، حتى يستطيعوا شراء الأسمدة التى يحتاجونها مثل النترات.